المطاردة بقلم أمل نصر
الأمس مما أدهش نجية أكثر فأصرت عليه ليأكل كي يتمكن من الشفاء ثم خرجت من الغرفة وتركته في حيرة من أمره وخجل من نفسه ايضا.
ياترى هيقول عليا ايه دلوقت لا يفتكرني معجبة بجنابه دا ايه الوقعة المهببة دي بس ياربي والإحراج اللى أنا فيه دا! يعنى كان لازم أدخل بالرسمة المهببة دي عنده في الأوضة واقارن بين الصورة والحقيقة أنا عقلي كان فين ساعتها بس!
اجفلت منتبه على صوت والدتها فقالت بتشت
ها في حاجة ياما هو انت بتكلميني
نجية وهي تتقدم بخطواتها لداخل المطبخ وتقترب من يمنى الواقفة بجوار الموقد ومكتفة ذراعيها بشرود
اللي واخد عقلك يتهنا بيه ياختي.
سألت نجية بريبة ونظرات متفحصة وكانت الرد من يمنى
فى ايه يا أمى ولزمتوا ايه الكلام ده بس
ما هو لم ادخل عليكي المطبخ الاقيك بتكلمي نفسك وسايبه الشاي يغلى وراكي يبقى ليه لازمة
الكلام يا يمنى عشان اعرف ايه اللي مغيرك بالظبط
سارعت يمنى بإطفاء الموقد المشتعل خلفها على براد الشاي لتتناوله وتصب منه في الأكواب الزجاجية على رخامة المطبخ بجوارها وهي تردد
لاحقتها نجية بنبرة مستخفة
مكانتيش واخده بالك طب وسعي ياختي عن البوتوجاز خلينى أسخن لقمة للجدع المتصاب جوة ده وسعي.
تركت يمنى ما بيدها والتفتت تنظر لوالدتها بتعجب قبل أن تسألها
معلش يعني ياامي هو انتي ليه متعاطفة مع البني أدم دا دا حتى مچرم!
يابنتي أنا حساه ابن ناس وجار عليه الزمن وحتى لو كان مچرم مفيش حد بيبقى مچرم كده لوحده المهم أنتي ازاي رسمتي عنيه وليه أساسا ترسميها
عاد اليها الشعور بالحرج بعد ان كانت تناسته فالتفتت ثانية تكمل ماتفعله وتتجاهل الرد على والدتها وهي تردف
أنا هروح أودى الشاي لأبويا أحسن يستعجلني.
وعند سالم الذي كان جالسا على الأريكة الخشب خارج المنزل وهو يتسامر مع جيرانه ويتحدثون عن الليلة الماضية وسمعاهم لصوت الطلقات الڼارية الكثيفة سأل الرجلين الجالسين معه
يعني
على كدة محدش عارف صوت الضړب الكتير ده كان جاي منين
أجاب الجار سعيد
وافقه الرأي جاره الاخر والمدعى حميدو
عندك حق ياسعيد عشان أحنا لحد دلوقتي مسمعناش عن أي حد في البلد بهيمته اتسرقت امبارح.
خمن الجار سعيد بفطنته
يمكن قتل اللهم احفظنا حد عارف اصلها حاجة غريبة قوي صراحة وعمر الضړب ماحصل في ليلة في بلدنا الا اما اسمعنا بعديها
عن السبب بالظبط لكن اننا نسمع طلق الړصاص دا كله ومانعرفش باللي حصل دي عمرها ماحصلت!
انقبض قلب سالم مع سماع كلمة قتل وذلك لتذكره هيئة الرجل الغريب أمس والطلقة التي قام بإخراجها بطريقته البدائية والتي تعلمها ابا عن جد ولكن ببعض الأدوات والعلاجات الحديثة بمساعدة ابنته ترى هل كان طرفا هذا الرجل الغريب فيما حدث أمس أم كان طرفا في معركة أخرى
حاول أن يبدو طبيعيا أمام جيرانه لكن الخۏف بدأ يزداد بقلبه حينما سمع جاره حميدو وهو يقول
ربنا يستر ومايكونش حاجة كبيرة وتروح فيها البلد كلها لأن امبارح ضړب الڼار كان كتير قوي.
أجفل سالم من شروده على صوت ابنته يمنى وهي تهتف عليه
ابويا الشاي يا بوي.
اومأ لها رأسه يحثها على التقدم
قربي يابنتي بالشاي مافيش حد غريب دا عمك سعيد وعمك حميدو.
خرجت اليهم وهي تتقدم بصنية الشاي نحوهم فخاطبها الجار سعيد وهو يتناول كاسته منها
مش بعاده يعني تغيبي عن المعهد يابنتي دي اول مرة تحصل.
ارتبكت يمنى في الإجابة عن سؤال الرجل وقام أبيها بالرد نيابة عنها
أنا اللي قولتلها تريح النهاردة ما أنت عارف شغلانة التمريض صعبة ومتعبة وانا بصراحة شفقت عليها.
تدخل الجار حميدو قائلا هو أيضا
اسم النبي حارسها وصاينها دي أحسن من الدكاترة نفسيهم دا ديك النهار ابني الصغير لما اټعور ورجله اتفتحت خيطتها وطهرتها أحسن ما كنا روحنا بالولد المركز واتمشورنا هناك.
قال الجار سعيد
ربنا يحرسها دا الشغل اللي بتعمله في الوحدة الصحية عملها سمعه طيبة شهرها في البلد كلها.
استأذنت منهم يمنى لتدلف لداخل المنزل وتمتم سالم بداخله بامتعاض
سمعتها الطيبة! ياريتها مابقت ممرضة ولا بقى ليها سمعة!
دلفت لداخل المنزل لتفاجأ بصياح والدتها عليها باسمها من داخل الغرفة الموجود بيها هذا المدعو صالح فزفرت بضيق
يوووه هو أنا مش هخلص النهاردة باين
همت التجاهل والذهاب لغرفتها ولكن مع تكرار الصياح اضطرت صاغرة تدخل الغرفة
عايزه أي يا أمى.
سألت بعد ان دلفت الغرفة وهي تتجنب النظر إليه فردت والدتها .
تعالي يابنتى ساعديني أصل عايزة أفطر صالح وهو مش قادر يحرك راسه.
أقتربت منهم على مضض لتساعدها برفع رأسه حتى يتمكن من الأكل دون أن يتألم متجنبة النظر اليه وهي تشعر بنظراته المسلطة عليها.
قالت نجية بمودة بعد ان عدلت بمساعدة ابنتها وضع رأسه كي تمكن من تناول الطعام
الحمد لله يابني تقدر تاكل دلوقت.
رد صالح وهو ينظر ليمنى بطرف عينيه
عشان خاطرك بس يا خالة هاكل حتى عشان أقدر بس أقوم وأريحكم من تعبي
رد صالح بحرج
ياخالتي أنا دراعي اليمين شغال وأقدر آكل بيه.
ياسيدى عارفين بس أحنا خايفين من الحركة لا تتعبك واحنا عايزينك تخف وتقدر تمشي على رجليك.
قالتها يمنى وهي مكتفه ذراعيها وتشدد على الجملة الاخيرة عله يفهم مغزاها ويبدوا أن الرسالة وصلت فابتسم لها رافعا حاجبه
فور ان همت نجية بإطعامه تفاجات بنداء زوجها باسمها من خارج الغرفة فنظرت ليمنى موجهة كلماتها
روحي يا يمنى شوفي أبوكى بينده عليا ليه
همت بالذهاب ولكنه أستوقفها صالح قبل أن تتحرك
روحي انتي يا خالة شوفي جوزك عايز ايه وخلي الدكتورة يمنى هي اللي تأكلني.
رفعت يمنى طرف شفتها مستنكرة سخريته بتلقيبها بالدكتورة وقالت
دكتورة يمنى!! لا وكمان عايزني أأكلك كمان
أردف هو ببرائه
تزعلي من دكتورة معلش انا قصدي اقدرك وكمان سامحيني إن كنت هتعبك معايا بس أنا مش عايز عمي سالم يزعل من خالتي نجية وأنا لازم اكل عشان أخف ولا أنتي مش عايزاني أخف!
صكت على فكها غيظا من طريقة تملقه اليها أمام والدتها وهمت لتعترض ولكن سماع صوت صياح أبيها الشديد جعل نجية تنتفض و تترك ما بيدها وهي تردف بعجالة ليمنى
أبوكي باين عليه مضايق من صوته تعالي أكليه انت وأنا هروح أشوف أبوكي ماله وبيزعق كدة ليه
قالت نجية وخرجت مهرولة لزوجها لتترك يمنى دون استئذان ولا استماع اعتراضها مع هذا الأنسان المستفز وهو يرمقها الان باسترخاء فتحت يمنى فمها لتتحجج وتتركه ولكنها تذكرت مهنتها وقلبها لم يطاوعها.
أردف هو بلؤم
آسف تاني يا دكتورة أني هتعبك بس أنتي أعتبريني مريض عادي عشان تراعيني حتى لو كنت مچرم زي ما انتي شيفاني !
الفصل الخامس
وفي مكان اخر قصر كبير يتوسط مساحة هائلة من الخضرة يحاوطه سور خرساني تتدلى فوقه الى الخارج أغصان الشجيرات الكبيرة والمعمرة وفي الداخل المبنى العمراني الكلاسيكي يشهد على ثراء العائلة الفاحش وأصولها التاريخية كان ممتلئ القصر على اخره بأفواج المعزين من أهل القرية الفقراء منهم والأغنياء من جميع
الطبقات و رجال غرباء من جميع القرى المجاورة بالإضافة الى مجموعة كبيرة من الشخصيات المهمة والمسؤلين أتت من عدة محافظات وأماكن معروفة في الدولة فالمتوفى ليس شخص عادي كأي شخص المتوفى كان في فترة قريبة من الزمن يحتل كرسي النائب عن الدائرة لعدد كبير من السنوات قبل أن يصيبه المړض ويتركها مضطرا لأكبر أبنائه وكأنه جزء من الميراث او شئ يخص العائلة .
الصالة الكبيرة بالمنزل امتلأت بعدد كثير
من النساء التي اتشحت ملابسها بالسواد أتين هنا أيضا لعزاء زوجة النائب السابق وام النائبالحالي ولكنها على غير المعروف لم
تكن موجودة في هذا الوقت لتتلقى العزاء مع بناتها ومعظم نساء العائلة من شقيقات وقريبات للعائلة العريقة بأصولها التي تمتد بجذورها الى الأسرة المالكة سابقا .
كانت المرأة موجودة بغرفتها بالطابق الثاني واقفة امام النافذة تنظر للمساحة الخضراء التي تملكها على مرمى البصر أمامها وحدها بعد ان أمرت الجميع بتركها والإنصراف كي تنفرد بنفسها وتستريح قليلا هذا إن استطاعت
انتبهت على طرق خفيف على باب الغرفة فهتفت غاضبة
انا مش قولت عايزة اقعد لوحدي ومشعايزة اشوف حد .
وصلها الصوت الرجولي
دا انا يأمي مش حد غريب ممكن ادخل لو تسمحي .
اتفضل ياولدي ادخل.
سمحت له بالدخول وهي تتحرك من امام النافذة لتجلس بأحدى اركان الغرفة الواسعة أشارت له بالجلوس معها فور ان دلف اليها وسألته
ها ايه الاخبار
أجابها بإرهاق
الحمد لله اليوم عدى على خير رغم اني اتقطم وسطى ومابقتش حاسس بضهرى ولا رجلي من كتر الوقفة والتعب في استقبال العزا الناس اللي جات ماليها عدد دا غير الوزراء والمحافظين واصحاب المرحوم من النواب السابقين والحالين .
أؤمت برأسها تسأله
واجواز اخواتك كانوا واقفين معاك زين ولا استهبلوا زي عادتهم
اجابها بدهشة
اهم دول بقى النهاردة كانوا واقفين معايا زي الساعة ومقصروش عني لحظة وعيال اعمامي وعماتي كمان مافيش واحد فيهم غاب .
بشبه ابتسامة ساخرة ردت على كلماته
فرحانين بقى حقهم ماهم اخيرا هايورثوا بعد اللي كان واقفلهم فيها زي اللقمة في الزور.
اومأ برأسه صامتا فسألته والدته
وعملت ايه في الموضوع اياه
تحركت رأسه بيأس وقال
للأسف اختفى زي الزئبق وماحدش عرف يجيب خيط واحد يعرفنا مكانه .
كيف انا اللي اعرفه ان الرجالة حراس ابوك اصابوا كتفه بطلقة من مسداستهم يعني اكيد راح مستشفى ولاحتى عيادة.
دورنا في كل مستشفيات المحافظة والوحدات الصحية في القرى القريبة مافيش مخلوق دخل بالأسم ده عنديهم وحتى في العيادات المعروفة فبرضوا الرجالة راحو وسألوا فيها ومافيش نتيجة.
شددت نحوه قائلة بصرامة
لازم تلاقيه ياعثمان مهما اختفى لازم تعرف طريقه
اومأ لها يرد
ماتقلقيش ياامي احنا بندور في كل حتة وخليكي مطمنة اننا هانعثر عليه ومهما كان ذكائه اكيد في يوم هايجيلنا برجليه في الاخر عشان يشوفها ولا انت نسيتي بقى انها معانا في نفس البيت بعد ماطلعناها من المستشفى
بعد أن خرجت نجية مهرولة من الغرفة تلبية لنداء زوجها الذي كان يهتف عليها خارج الغرفة وقد أمرت يمنى بمساعدة صالح وإطعامه ظلت يمنى متسمرة محلها لعدة دقائق وهي تنظر في أثرها مصډومة ومع سماعها لكلماته ازداد حنقها منه ومن خبثه
أما هو فكان ينظر إليها بتسلية وابتسامة جانبية في انتظار رد فعلها وهي في صراع مع نفسها بين ضميرها المهني وبين امتعاضها من هذا الرجل واستفزازه لها زفرت للمرة الألف ثم أجمعت أمرها أن تعامله مثلما قال كأنه مريض عادي
ثم مالبث أن يتخلى عن بروده قليلا وفاجأها بسؤاله
أنتى شوفتيني فين