رواية سماح كاملة
رواية سماح كاملة
نكون جوزنا ولادنا وبقينا لوحدنا
أطبق هارون جفنيه متمنيا من الله تحقيق ما قالته فهى الوحيدة دون النساء التي أحبها ولم يستطع أن يرى أو يحب غيرها وكلامه عن الزواج مرة أخرى كان مجرد كلمات تفوه بها كي يجعلها تشرب من نفس الكأس التي سقته منه سابقا
الجزء الثامن
طرق خاڤت متردد على باب منزلها يدل على مدى خوف صاحبه من مواجهة محتومة قد تكون ناهية لصعوبات وعراقيل تعوق من المضي قدما في عيش حياة هانئة مستقرة وقد تكون القاطعة والفاصلة بين طريقين كان لا يفترقان عن بعضهما منذ نعومة الأظفار توجهت ميسرة لفتح الباب حتى تقطع شكها باليقين فقد ظنت أنها تتوهم سماع تلك الطرقات وتسألت بحيرة من الذي سيأتيها في هذا الوقت فهى غير معتادة على زيارة أحد لهم وزوجها مازال بعمله فتحت الباب وتصنمت أمامه بتيه وضربات قلب بدأت في الصخب بقوة وظلت تحدق بمن تقف أمامها حتى تتأكد أنها لا تتوهم رؤيتها تجرعت ريقها بصعوبة بعد أن جف حلقها وبدأت عبراتها في الأحتفال بمن أشتاقت عيناها لرؤيتها كثيرا لا تدري أن كانت تلك الدموع التي هطلت بغزارة هى فرحة أم حزينة أم عاتبة لأئمة لم تستطع سدرة أن تنتظر أكثر من دقيقة فقد مرت عليها كا ساعات كثيرة وأقتربت منها تخطب ودها ورضاها وتتمنى أن لا يلفظها حضنها الدافئ أمسكت كفيها بيديها الباردة التي ترتجف من شدة توترها وخۏفها ونظرت لخالتها بأعين راجية عطفها
زفرت ميسرة بقوة ونظرت ليديها ثم رجعت تنظر لها
لسه إيدك بتلج لما تخافي أو تتوتري
أومأت سدرة ودموعها تنزاح من عينيها وما لبست أن أرتمت بحضنها تحاوطها بذراعيها وتضع رأسها في زاوية عنقها شاهقة بأنهيار يقطع نياط القلوب
لم تستطع ميسرة مقاومة قلبها الباكي المشتاق أكثر من ذلك وضمتها لصدرها وقربتها من أنفها تشم ريح طفلتها التي أشتاقت له كثيرا وتناوبت هى وسدرة البكاء حتى تنبها إلى أنهما مازلا يقفان بباب المنزل فسحبتها ميسرة للداخل وأمسكت بيدها وأتجهت للأريكة تجلسان عليها متقابلاتان متجاورتان وبادرت ميسرة بسؤالها كما تسأل الأم بنتها
ابتسمت سدرة متذكرة تلك المعركة الصغيرة التي خاضتها حتى تعيد
حبيبها لدربها وتستعيد ثقته بها
مرة أخرى فقد ظنتها ستكون حرب ضارية لكنها وجدت هارون أرق قلبا وأكثر لينا مما توقعت فلم يصمد أمام حزنها وبؤسها وأنهارت حصونة وقبل مبادرتها للصلح وطرح هدنة مؤقتة بينهما حتى يتيقن
هارون قلبه طيب قوي يا ماما سامحني بعدما حاولت معاه أكتر من مرة وأداني فرصة أخيرة أثبت له فيها حبي وأخلاصي له وأني أتغيرت وأخليه يرجع ثقته فيا تاني
تمسكت سدرة بيد ميسرة ترجوها
أدعيلي يا ماما ربنا يوفقني معاه وأقدر أخليه يتقبلني كليا ويرضا عني لأني بحبه قوي ومقدرش أتخيل حياتي من غيره
ربنا يهديه ليك يا حبيبتي ويوفقك ويسعد قلبك معاه ويمن عليكم بالذرية الصالحة
أغمضت سدرة عينيها براحة في حضڼ خالتها
ظلت سدرة معظم وقتها في بيت خالتها تلتحف بحضنها لأفتقدها الشديد لها حتى بعد عودة حسان من عمله والذي لم يتفاجئ من وجود سدرة فقد أعلمته قبل قدومها وهو أختار لها وقت تواجده في العمل حتى يتسنى لهما تصفية كل الڠضب والشحنات السالبة من بينهما ومازحهما مدعيا الغيرة من قرب سدرة لزوجته
ايه يا سدرة أنت كدا هتخليني أغير منك انا بقالي اكتر من سنتين واخد الدلع كله كدا بقى هيكون الدلع كله ليك وانا اتركن على الرف من تاني
أبتسمت سدرة وأقتربت منه تضمه بحب
عارف يا بابا نفسي يرجع بيا الزمن لو يوم واحد بس وأعيشه بكل تفاصيله معاكم تاني عشان أعوض شوقي ليكم وأحس بحبكم اللي كنتم مغرقني بيه وانا من غبائي كنت بتخنق وبزهق منه الواحد مبيحسش بالنعمة اللي عايش فيها غير بعد ما تروح منه
ضمھا حسان لصدره بعاطفة أبوية صادقة
ومين قالك أن حبنا ليك قل ولا متقدريش تعيشي اليوم دا وأيام كتيرة كمان تاني انا عايزك تعرفي أن البيت دا بيتك وهيفضل بيتك مهما كبرتي وبعدتي عننا وانا وميسرة هنفضل أبوك
وأمك مهما حصل ومهما غلطتي لأن مهمة ورسالة ألأبوين طول ما هما عايشين أنهم يسامحوا ولادهم مهما اخطأوا لأن مفيش عندهم حد اغلى منهم ولا يتمنوا يشوفوا حد أحسن منهم
أبتعدت سدرة عنه قليلا تنظر له بحب
طيب ممكن الأبوين الصالحين يقبلوا هدية صغيرة من ولادهم مش هقول تعويض عن الأخطاء ولا تمن لجزء بسيط من تضحياتكم عشاني انا مش هقول عليها غير أنها هدية جميلة ونفس الوقت عظيمة الشأن لثوابها الكبير هتسعدوني وتفرحوا قلبي لو قبلتوها
أقتربت ميسرة منهما ووقفت أمامها متسائلة برفق
أيه هى الهدية يا حبيبتي
ترددت سدرة في البداية خوفا من رفض خالتها لكنها استجمعت شجاعتها وطرحت ما تريد قوله عليهما
نفسي تقبلوا دعوة العمرة مني وأرجوك مترفضيش يا ماما دي من ميراثي من عم هارون يعني مش حرام بالعكس انا مخدتش من ورثي غير جزء صغير خالص وسبت الباقي كله لجوزي لأني حاسة أنه مش من حقي
عبثت ملامح ميسرة وشعرت بأنزعاج من تكرار سدرة عرضها عليهما ثانيا فهزت رأسها بضيق ترفض عرضها مرة أخرى
لأ يا سدرة انا سامحتك ورضيت عنك وصفحت ليك أخطاءك في حقنا بس مش هقبل الهدية دي مهما تعملي صدقيني هكون طالعها وانا نفسيتي تعبانة لأني حاسة بالذنب أرجوك يا سدرة متضغطيش عليا ولو عمك حسان عايز يروح انا مش همنعه لكن انا مش هطلع العمرة غير من فلوسي
ثم أبتسمت وأقتربت منها تربت على كفها الذي أخذته بين يديها
انا مش عايزاك تقلقي انا خلاص جمعت فلوس العمرة ليا ولعمك حسان مفضلش غير مبلغ صغير عملت بيه جمعية وهقبضها بعد شهرين وساعتها بقى هنحجز للعمرة ونروح وانا فرحانة بيها بجد
وضع حسان يده على كتفها يضمها مقبلا جبينها بحب
ربنا يبارك ليا فيك يا غالية مټخافيش انا كمان زيك مش هطلع العمرة غير من فلوسي عشان تبقى خالصة لوجه الله الكريم
أبتسمت ميسرة ومسحت على صدره برفق
أن شاء الله يا حبيبي وربنا يبارك ليا فيك ويخليك تاج على راسي
تنهدت سدرة براحة بعدما علمت بتيسير الله لرحلة العمرة لوالديها قريبا وصمتت متمنية لهما السعادة وطول العمر قضت معهما باقي النهار تناولت الطعام بصحبتهما وتسامرت معهما في ذكريات طفولتها التي اتسمت بالشقاوة وخفلت ظلها مرا الوقت عليهم سريعا فأسرعت سدرة تستعد وتستأذنهما للرحيل حتى تعود لبيت زوجها في الوقت الذي حدده لها أصر حسان على أصطحابها لهناك رغم أعتراضها وعندما هبط لأسفل المنزل وجدا أحدى سيارات هارون تقف في أنتظارها وبداخلها سائقه الخاص شعرت سدرة بسعادة غامرة كونه أهتم لأمرها وخشى عليها من العودة بمفردها خرج السائق سريعا من السيارة وفتح لها بابها الخلفي يومئ برأسه ويطلب منها على استحياء
اتفضلي
يا مدام
هزت سدرة رأسها
برفق ونظرت لحسان
تودعه
كدا بقى مش هتكون قلقان عليا يا بابا هارون بعت ليا العربية تروحني
أبتسم حسان لها وقبل جبينها بحب
ربنا يبارك فيه ويحفظه خلي بالك منه يا حبيبتي اللي زي هارون راجل ميقبلش على نفسه أهانة ولا زل لحد يخصه فما بالك لما يكون الحد دا مراته
أومأت له سدرة برفق وهى تشير له مبتعدة
أن شاء الله في عنيه وربنا يقدرني وأقدر أسعده تصبح على خير يا بابا وابقى بوسلي ماما كتير قوي
ضحك حسان بجذل وهو يشير بسبابته على عينيه
بس كدا من عينيه الأتنين
صعدت سدرة لداخل السارة وظلت تشير مودعة له حتى أبتعدت بها عن محيط نظره فأعتدلت في مقعدها وأمسكت هاتفها تتصفحه لترى أخر تحديثاته فقد ظل بحقيبتها طوال تواجدها لدى خالتها فقد نسيته تماما وأنشغلت بصحبة عائلتها الصغيرة الجميلة كانت تأمل كثيرا في أن تجد مكالمة هاتفية فائتة من زوجها لكنه مازال متحفظا في علاقته معها لا يريد الانخراط وراء مشاعر قد تودي به لهلاك قلبه دون رجعة أرادت أن تهاتفه لكنها تراجعت خوفا من أنشغاله أو محادثتها بضيق أمام السائق لذا أجلت محادثته لحين عودتها للمنزل ظلت شاردة تلاحق عينيها معالم الطريق حتى وصل بها السائق أمام القصر فتنبهت وأعتدلت تعد نفسها للنزول وحين ولج بها لداخله نزلت مسرعة تطوي المسافة البسيطة في خطوات كبيرة فقد اشتاقت له وتريد أن تملي عينيها بطلته وجدت مدبرة منزلها ذو الوجه العابث دائما بوجهها فعبثت بشفتيها بنزق وسألتها عن مكان هارون برغم تيقنها من وجوده في مكتبه الذي لا يبرحه الإ لغرفة نومه أو الخروج من القصر
هارون بيه فين يا مدام حكمت
نظرت لها حكمت نظرة زجاجية باردة وأجابت بروتينية قاټلة
البيه في مكتبه وطلب محدش يدخل عنده لأنه مشغول
زفرت سدرة بضيق وأشارات لها كى تنصرف
انا مش هعطله كتير يدوب خمس دقايق اتفضلي روحي شوفي شغلك متشغليش بالك بيا
أرادت حكمت الأعتراض لكن سدرة لم تمهلها الوقت لذلك وأتجهت لغرفة مكتب زوجها تطرق بابه ثم تفتحه وتدخل دون
أنتظار أجابته
السلام عليكم
رفع هارون رأسه عن كومة الملفات أمامه ينظر لها متعجبا
وعليكم السلام خير في حاجة ضرورية!
هزت سدرة رأسها بنفي وأقتربت منه تريد معانقته لكنها تراجعت بعد أن رأت جموده
لأ مفيش أنا قولت أدخل أسلم عليك بس
ثم عبثت ملامحها بلوم
هو لازم يكون في حاجة ضرورية عشان أعرف أدخلك
وقف هارون ولف حول مكتبه ونظر لها بجمود
أه لازم هى مش فوضى يا سدرة انا عندي شغل كتير متعطل ولازم يخلص الليلة وبعدين حكمت مش بلغتك أن انا مشغول جدا ومش فاضي
أومأت له وعيناها تومض بغيمات من العبرات الكثيفة
أه بلغتني بس انا حبيت أشوفك قبل ما أطلع أوضتي على العموم انا أسفة على الأزعاج مكنتش أقصد
لم تنتظر سدرة رده عليها واستدارت عائدة من حيث أتت قبل أن تنهمر دموعها أمامه أغمض هارون عينيه بضيق وأراد أن يوقفها ويضمها لصدره معتذرا عن فظاظته معها لكنه عجز عن فعلها فهو ېخاف من الأنجراف خلف مشاعره الثائرة فيعود الندم