الإثنين 25 نوفمبر 2024

رحلة الآثام بقلم منال سالم

رحلة الآثام بقلم منال سالم

انت في الصفحة 5 من 84 صفحات

موقع أيام نيوز


تهاني كامل نظراتها على ما تطل عليه نافذتها الصغيرة وهذا الصوت المحتقن بداخلها يردد في نقم هو أنا كنت ناقصة واحدة زيها مضت ساعات مكوثها بالطائرة بطيئة للغاية لم تسلم خلالها من لسان ابتهال الثرثار فقد كانت تملك طاقة كلامية لا تنضب أبدا وعلى قدر طاقة تحملها حاولت تهاني تجاهلها وتعاملت معها بجفاء ورسمية بحتة لكنها لم تفهم بالتلميحات المبطنة ولا بالإشارات المعلنة حيث واصلت تحريك فاهها لتحكي في أي شيء وكل شيء ما إن انتهت كلتاهما من إجراءات الوصول حتى أسرعت تهاني في خطاها لتبتعد عنها لكنها كانت كظلها لحقت بها

ولم تتركها تغيب عن نظرها لثانية بمجرد أن اقتربتا من باب الخروج من صالة المطار لفحة من الهواء الساخن لطمت وجنة ابتهال فراحت تشتكي وهي تحرك يدها كالمروحة لعلها تحصل على نسمة مرطبة ياني على الجو ده ولا جهنم نظرت لها تهاني شزرا هي مثلها تشعر بسخونة الجو وتوقعت اختلاف المناخ هنا ومع ذلك لم تشتك أضافت هذه المزعجة بعد زمة سريعة لشفتيها وربنا احنا بلدنا نعمة الهوا فيها يرد الروح وينعش القلب كالعادة لاذت بالصمت الإجباري معها وتابعت سيرها نحو المخرج فسألتها ابتهال مستفهمة هما قالوا هنركب إيه عشان نروح السكن نفخت بصوت مسموع قبل أن تجيبها في أكيد أتوبيس هيوصلنا مش هنمشيها يعني انتبهت ابتهال لأحدهم على وجه الخصوص وهو يقف أعلى الرصيف الخارجي للمطار فصړخت بفرحة وكأنها رأت نجما سنمائيا بصي هناك ده دكتور عبد الحافظ هو المسئول عننا هنا الحمدلله إني شوفته اندهشت لمبالغتها وظلت تحدق بها وهي تأمرها تعالي نروحله أكيد هو مستنينا لم تكتف بذلك بل صړخت عاليا غير مبالية بلفت الأنظار إليهما يا دكتور عبد الحافظ يا دكتور نظر إليها الرجل الخمسيني الوقور باهتمام بدا على ملامحه عدم الاندهاش لرؤياها وتقدم ناحيتها مرحبا بها حمدلله على السلامة يا دكتورة ابتهال اتجه بنظراته نحو تهاني وأكمل أنا مستنيكم من بدري لم يحد بناظريه عنها وهو يسألها ليتأكد دكتورة تهاني مظبوط هزت برأسها قائلة أيوه مد يده لمصافحتها وهو يعرف بنفسه أنا الدكتور عبد الحافظ المسئول هنا رسمت ابتسامة صغيرة مهذبة على محياها مبادلة إياه التحية اتشرفت بحضرتك تساءلت ابتهال مستوضحة وهي تدور برأسها حولها كأنما تفتش عن أحدهم أومال باقي الزملاء فين سبقونا ولا إيه أشار نحو حافلة متوسطة الحجم قبل أن يخبرها موجودين في الأتوبيس عندئذ مالت بجسدها نحو تهاني لتهمس في أذنها بتذمر شكلنا آخر ناس خلصوهم باين الكوسة هتشتغل من أولها كزت على شفتيها في حنق مزعوج منها أشاحت بوجهها بعيدا ولفظت زفيرا طويلا وهي تردد بلا صوت ارحمني يا رب عن عمد تعمدت أن تسد أذنيها عنها حين جلستا متجاورتين في الحافلة الصغيرة علها تيأس منها وتصمت التهت تهاني بالتحديق في الطريق وطافت ببصرها عبر زجاج النافذة على المعالم الصحراوية المحيطة بها كانت الطبيعة البيئية لهذه المنطقة تختلف عما اعتادت رؤيته في نهار عملها الروتيني من زحام واختناق مروري فالسماء كانت باهتة والغبار انتشر كالسحاب فجعل الرؤية ضبابية في أماكن ومتوسطة في أماكن أخرى تسلل إليها وهي تحاول اللحاق بكل ما تراه لتحفظه الشعور بالرهبة والارتياب وأدت ما انتابها من أحاسيس خائڤة متسلحة بطموحها غير المحدود تباطأت سرعة الحافلة عند منطقة سكنية معينة فأمعنت تهاني النظر بتدقيق لتعرف تفاصيل المكان جيدا فمن المفترض أن تقطن هنا من الخارج بدت البناية نظيفة حديثة الطلاء جيدة التصميم لكن حين صعدت للأعلى وتحديدا للطابق الثالث حيث يقع بيتهما المستأجر انتظرتها مفاجأة غير سارة فما إن وضعت المفتاح في قفل الباب ووطأت للداخل صډمتها رائحة الهواء العطن فجعل صدرها ينقبض أحست بشيء غير مريح يناوشها أنارت الإضاءة فحلت مفاجأة أخرى أكثر صدمة عليها تجولت ببصرها على ما يوجد بها فرأت كيف يبدو الأثاث قديما ومستهلكا من كثرة الاستعمال تتناثر الكراكيب بعشوائية عند الأركان ناهيك عن حاجة أرضيتها للتنظيف الشديد لم تكن مثلما توقعت أبدا راحت تردد بذهول وعيناها تبرقان بشدة معقولة دكاترة محترمين زينا يقعدوا في مكان زي كده جعلتها الصدمة تتجمد في مكانها للحظات وقد توقف عقلها عن التفكير في حين انبهرت ابتهال بالصالة المتسعة وبدأت تتجول بحماس في محيطها وهي تخبرها أما أوضة شرحة وبرحة بصحيح ألجم تعليقها الغريب لسانها لوهلة لكن اندلع الڠضب بها فصړخت مستنكرة إنتي بتقولي إيه استغربت ابتهال من تشددها وعقدت حاجبيها في اندهاش وهي تزيد من صياحها الغاضب ده عاملة زي علبة الكبريت ردت ببرود استفزها هو احنا لينا أكل ولا بحلقة ده احنا مش هندفع مليم يوووه نسيت هي العملة هنا يجيلها بكام سئمت من تساهلها ومن شخصها المغيظ فهدرت فيها بانفعال أنا ماقبلش بحاجة أقل من اللي استحقه انهت جملتها واندفعت نحو الخارج فتبعتها ابتهال مذهولة وهي تسألها رايحة فين يا تهاني حاولت إيقافها عنوة فلكزتها تهاني بعصبية في ذراعها وهي تصرخ بها حاسبي من طريقي تقدمت عنها في خطواتها ثم وقفت قبالتها وسألتها بتخوف من أولها هتعملي مشاكل كده هيقولوا عننا إيه دفعتها بقسۏة لتزيحها من أمامها وصوت صړاخها يسبقها ابعدي عن خلقتي السعادي أنا روحي في مناخيري تأوهت من الوكزة القوية وتغاضت عن شعورها بالألم اللحظي وهتفت تتوسلها استهدي بالله بس وآ قاطعتها تهاني قبل أن تستأنف وصلة تذللها المستفزة صائحة بإصرار ووجهها يشتعل بحمرته الحانقة إنتي عاوزة تقعدي في أوضة الفران دي يبقى براحتك لكن أنا لأ التنازل لمرة يعني بدء المسير في رحلة المشقة لم تقبل تهاني بما لا تستحق وأصرت على تمسكها بما ترغب إلى أن ظفرت في الأخير بمبتغاها وحصلت على ما يليق بها انخطفت أنفاس ابتهال وبهرت عيناها بوميض لامع وهي تتجول بداخل السكن الآخر الذي تم توفيره لهما للسكن فيه قفزت كالصغار على الأريكة الجلدية وجلجلت نبرتها قائلة بنبرة مديح وربنا كان معاكي حق تعملي الشبورة بتاعتك دي المكان أحسن بكتير فرق السماء من الأرض ركزت بصرها على رفيقتها وتابعت أنا بعد كده هاخدك معايا في أي حاجة لم تنطق تهاني بكلمة اكتفت بالاستمتاع بشعور النشوة الذي تغلغل فيها وجعلها تبدو كبطلة خارقة رغم أنها لم تفعل الكثير تظاهرت بعدم الاكتراث ووضعت هذا القناع الجليدي على ملامحها ثم أمسك بمقبض الحقيبة وسحبتها نحو الغرفة التي اختارتها لتكون خاصة بها فتساءلت ابتهال في تحير إنتي رايحة فين مش هتقعدي معايا شوية حانت منها نصف التفافة ناحيتها لتعلق برسمية داخلة أوضتي ولو سمحتي يا ريت ما يكونش في إزعاج أنا عاوزة أرتاح زينت ابتهال وجهها ببسمتها المتسعة وردت وهي تشير إليها حقك طبعا بمجرد أن تابعت مشيها وجدتها تكلمها من خلفها بثرثرتها المعتادة بس عاوزين نلف حوالين المكان عشان نعرفه تجاهلتها عن قصد لتلج إلى غرفتها صافقة الباب ورائها پعنف مما جعل ابتهال تنتفض في مكانها رفعت حاجبها للأعلى ورددت بتجهم طفيف هي مالها كده سرعان ما تبدد الضيق من على قسماتها لتتابع محدثة نفسها بابتسامة أشد اتساعا وهي تجلس باسترخاء على الأريكة يا سلام على الأعدة الملوكي اللي هنا أراحت مرفقيها على حافة النافذة واستندت بذقنها عليهما معا لتتطلع بشرود حزين إلى المارة السائرين في الشارع بدت من بعيد كما لو كانت غارقة في دوامة من الهموم والأثقال وحين أتت فردوس وجلست إلى جوارها لم تشعر بوجودها بقيت في انفصالها الواجم عن الواقع لمزيد من الوقت وضعت ابنتها يدها على كتفها لتنبهها إليها وهي تتساءل باهتمام مالك يامه سرحانة في إيه أجابت دون أن تنظر تجاهها قلبي متوغوش على أختك مكانش لازم نسيبها تسافر نهائي مطت فردوس فمها قليلا في غير تأثر ثم غمغمت معقبة وهي تداعب بأناملها جديلة شعرها التي طرحتها على كتفها ما إنتي عارفة دماغها الحجر مهما عملنا مكوناش هنمنعها عن اللي هي عاوزاه تنهدت عقيلة مليا سائلة نفسها بصوت مسموع أيضا لابنتها يا ترى عاملة إيه دلوقتي يا كبدي بنفس الهدوء الواثق أخبرتها هي ناصحة وهتعرف تتصرف المزيد من العبوس القلق حل على تجاعيد وجهها وهي تردد يا خۏفي من الغربة تغيرها ولا تعمل فيها حاجة لاحت بسمة هازئة على زاوية فمها قبل أن تعلق متقلقيش عليها دي تفوت في الحديد غريزتها الأمومية جعلت مشاعرها المرهفة تتضاعف خوفا عليها فهمهمت بلا صوت وهذه النظرة الحزينة تطل من حدقتيها أنصح منها ابتلعتها مضطرة وهي تهبط على الدرج مجرجرة كرامتها المهانة ورائها صفق سامي الباب پعنف وهو لا يزال يردد بعصبية حاجة تقرف مسح الصالة غير المرتبة بنظرة بطيئة تظهر نفوره الشديد فهذا البيت أو ما يطلق عليه وكر الملذات هو المكان الدائم لإقامة شقيقه كلما عاد من سفره ورغم تعدد نزواته الطائشة إلا أنه ظل الابن المفضل لدى أبيه تجول على مهل مخاطبا نفسه وسحنته قد انقلبت على الأخير عندما رأى بقايا الطعام متروكة على المائدة بجوار زجاجة للخمړ وأكواب متسخة طبعا ده المتوقع منك يا مهاب سايب بيت العيلة وقاعد ليل نهار هنا عشان تشوف مزاجك مع الأشكال دي بخطوات متعصبة سار ناحية غرفته الموجودة في نهاية الرواق ظلت تعابيره متجهمة وهو يناديه عاليا بما احتوى على إهانة ضمنية اصحى يا دكتور يا محترم دون أن يبدو مباليا بوجوده سحب مهاب الوسادة من أسفل رأسه ووضعها عليها ليقلل من وتيرة الصوت المرتفع الذي يفسد عليه نومه حاول سامي انتزاعها من أعلاه لائما إياه بحدة عامل البيت كرخانة ونايم ولا على بالك استلقى مهاب على ظهره وطالعه بنصف عين قبل أن يكلمه ببرود ليه الزعيق بس يا سامي ماينفعش تتكلم من غير دوشة استشاط ڠضبا من رعونته وردوده المستفزة فعنفه إزاي سامح لنفسك ټغرق في القرف ده خفض قدميه قائلا وهو يفرك وجهه إنت جاي تديني محاضرة في الأخلاق على الصبح احتفظ سامي بطريقته المحتدة في التعامل معه عندما أخبره لازم أعمل كده طالما إنت مخلي اسم العيلة في الوحل وضع مهاب ابتسامة عابثة على ثغره كان واثقا أن مدلولها سيصل إليه دون الحاجة للإيضاح وأضاف بمكر مغيظ وهو ينهض واقفا لأ اطمن كل اللي بيخرج من عندي بيكون مبسوط فارق الطول والتأثير بينهما كان ملحوظا فالغلبة كانت ل مهاب وإن كان سامي الأكبر سنا لكن الأول امتاز بسمات السيطرة والتسلط والقدرة على إقناع
 

انت في الصفحة 5 من 84 صفحات