الثلاثاء 26 نوفمبر 2024

رحلة الآثام بقلم منال سالم

رحلة الآثام بقلم منال سالم

انت في الصفحة 17 من 84 صفحات

موقع أيام نيوز


الحاجة للبوح بها ومع ذلك بادر بالقول عنه كأنما يسمعه ما يدور في رأسه شكلك مش عامل حسابك عليها تبقى معاك صح كلامي لوى ثغره ليتكلم في حدة طفيفة هاخدها أبهدلها معايا أنا محتاج أظبط وضعي الأول وبعد كده أشوف هاخدها إزاي كان رده منطقيا مقنعا وليس محلا للنقاش بحث عن شيء آخر ليقوله لعل وعسى يثنيه عن رأيه لكنه لم يجد لذا ثبت عينيه عليه قائلا في استسلام ربنا يصلح حالك شكره لدعمه الظاهري وهتف بتحمس أكبر هروح أفرح أمي وأبشرها كان يعلم أنه لا يحق له التدخل في شأنه ومع ذلك نصحه في نوع من اللين وماله بس ماتنساش مراتك هي ليها حق عليك تحولت نظراته بعيدا عنه وقال بغير مبالاة وقد هم بالسير ربنا يسهل شيعه عوض بنظرة آسفة قبل أن يردد في يقين كبير شكلك هتظلمها معاك يا أخويا خيل إليها أنها أصبحت تملك كنوز الأرض الثمينة بعدما أطلعها ابنها على الأنباء السارة ابتهجت أساريرها وأضاءت عيناها بكل معاني الفرحة والسرور ورغم أنها لا تعرف القراءة أو الكتابة إلا أنها ظلت تتحسس الأوراق بأطراف أصابعها وكأنها تستشعر نشوة الظفر بهذه الأختام الرسمية ضاقت حدقتاها فجأة وراحت تشدد مجددا على ابنها وهي تعيد وضع الأوراق في المغلف الأصفر اسمع كلامي متقولش لحد إلا على آخر وقت إنت ممكن تتحسد فيها والعين وحشة هز رأسه في طاعة وسألها طب وفردوس أبدت تعبيرا ناقما ومشمئزا من سيرتها فحذرته بلهجة صارمة دي بالذات قبلها بيومين ده كفاية خالتها وأرها لم يعارض ما تمليه عليه لكنه تكلم في صيغة متسائلة كما لو كان يستفهم منها بس جوازي منها كده هأجله ردت بامتعاض ونظرة ساخطة تطل من عينيها مافيهاش حاجة لما تستنى كام شهر هي متسربعة على إيه فرك مؤخرة عنقه في تحير معكوس على وجهه فمالت عليه والدته تخبره بهذه الابتسامة المتسعة ركز إنت في باب الرزق اللي ربنا فتحهولك ده وسيبك من أي حاجة تانية قال صاغرا دون تفكير حاضر يامه استحسنت قدرتها على استمالة رأسه ودفعه لتنفيذ ما ترغب فيه بلا مجهود وراحت تستحثه على السعي وراء أحلامه بتلهف يفوقه غير مبالية إطلاقا بمن دونه العودة إلى أرض الواقع بعد لحظات من تذوق نعيم الجنة كان محبطا لها تمنت تهاني لو استمرت فاعليات هذا المؤتمر لأيام أكثر ورغم الأسلوب الجاد الذي بات عليه مهاب في التعامل إلا أنها لم تمانع البقاء بقربه لكن لكل شيء نهاية أوصلها إلى مسكنها وودعها بابتسامة صغيرة فتركته وصعدت وهي منهكة من كم المجهود الذي بذلته طوال الساعات الماضية كالعلقة التي تلتصق بظهر فريستها لتمتص منها الډماء بشراهة لاحقتها ابتهال بإلحاح مغيظ منذ اللحظة التي ولجت بها إلى الداخل أخذت تفحصها من رأسها لأخمص قدميها بتدقيق عجيب لتتأمل هذا التغيير الملحوظ الذي صارت عليه سألتها بسماجة وهي تمسح بيدها على ثوبها البنفسجي الجديد والذي كانت ترتديه حين استقلت الطائرة مع مهاب عائدة إلى هنا إيش إيش إيه الحاجات الحلوة دي تجاهلتها كالعادة وتركتها تثرثر فسمعتها تقول من خلفها وهي تضع حقيبتها أرضا بجوار فراشها ده احنا اتغيرنا ولبسنا اللي على الحبل وزيادة حينئذ صاحت بها بصبر نافد على الأخير وبنبرة محتدة ابتهال أنا راجعة من السفر تعبانة ممكن تسبيني أرتاح لم تعبأ بصړاخها ولا بضيقها الظاهر بل أصرت على البقاء لصيقة بها فأخبرتها بلزاجة لا تطاق ده أنا هطق من الأعدة لوحدي ليل نهار وربنا ده إنتي كنتي واخدة بحسي فما كان من تهاني إلا أن فقدت هدوئها واندفعت تجاهها في عصبية لتقوم بدفعها دفعا إلى خارج الغرفة وهي تهتف بحمئة أنا مش ناقصة صداع ما إن أخرجتها حتى صفقت الباب في وجهها ووصدته بالمفتاح لتضمن عدم اقتحامها للغرفة مجددا ومع ذلك سمعتها تصيح من الخارج ببرود مستثير للأعصاب براحتك أنا هعذرك بس عشانك تعبانة ولسه راجعة بس اعملي حسابك مش هسيبك إلا لما أعرف كل حاجة بتفاصيل التفاصيل نفخت تهاني في سأم شديد ورددت وهي تسير عائدة إلى فراشها هو في كده بني آدمة رهيبة كان إرهاق السفر متمكنا من بدنها فلم تستغرق وقتا في الانخراط في سبات عميق تسلل فيها شخصه إلى أحلامها الطامعة بحياة هانئة مليئة بالراحة والثراء الثراء الفاحش أطلقت تنهيدة ارتياح كبيرة عندما نجحت في الإفلات من قبضة هذه السقيمة المتطفلة قبل أن تعترض طريقها نهارا وتحاصرها بأسئلتها التحقيقية المزعجة انطلقت إلى المشفى بسيارة أرسلها إليها مهاب لتقلها رافضة حضور أي من محاضرات اليوم دون أن تلقاه أولا وكأن رؤيته قد باتت إدمانا لها بلغت سعادتها عنان السماء عندما وجدته في انتظارها بمكتبها ألقت عليه التحية وأبدت سعادة غير عادية لمقابلته لكنه تعامل معها بجمود غريب واستطرد متحدثا بشيء من الجدية الباعثة على القلق والريبة أنا مش هطول كتير سألته بتوجس وقد اختفت النضارة من على بشرتها خير في حاجة أبقى عينيه عليها ثابتة وهو يجيبها بهدوء أنا كنت جاي أبلغك إني هرجع مصر كام يوم انقبض صدرها وتوتر قلبها فسألته باضطراب متصاعد ليه في حاجة حصلت صمت للحظة ونكس رأسه في حزن قبل أن يجاوبها والدي تعبان شوية ولازم أسافر أطمن عليه بنفسي في التو قالت كنوع من الدعم المعنوي له ألف سلامة إن شاءالله ماتكونش حاجة خطېرة عقب بغموض مقتضب هيبان حاولت استطالة الحديث معه بعدما رأت كيف استبد به الهم متقلقش يا دكتور مهاب ومن فضلك طمني أول بأول هز رأسه بإيماءة صغيرة وأردف مودعا إياها دون قول المزيد أكيد أشوفك على خير أحست بغصة مريرة تعلق في حلقها فراحت تردد بصعوبة وهذا الشعور الخانق يزداد ضغطا على صدرها مع السلامة انقلبت سحنتها وتعكر مزاجها لرحيله وكأن قناع الثبات التي كانت تختفي خلفه قد سقط عن وجهها شعرت مع ذهابه بفراغ كبير يحتلها بوجود شيء موحش يجثم على روحها حتى أنها استنكرت ما أصابها لمجرد التفكير في تأثير غيابه عليها لم تقو ساقاها على حملها فارتعشت وهي تسير عائدة إلى مكتبها لترتمي على المقعد وهي شاحبة الملامح متسائلة في صوت يعبر عن تكدرها أنا إيه اللي حسا بيه ده بذلت جهدا كبيرا لتركز في استذكار ما فاتها من محاضرات ومع هذا عجزت عن قراءة سطر واحد من الورقة المطروحة أمام عينيها لساعات كان بالها مشغولا تفكيرها مشوشا فاكتفت بالنظر إلى ما لا تراه بين السطور لتختبئ خلف ستار الصمت والهدوء الزائفين لعل وعسى عقلها يكف عن السؤال عنه فقد مر ما يقرب من أسبوع وهو غائب عنها لا تعرف عنه أي شيء حاولت التوصل إلى أي معلومة تفيدها بشأن مرض والده لكنها لم تصل لشيء كل الطرق مسدودة رفعت رأسها فجأة وحولتها تجاه الباب عندما تكلم أحدهم بلهجة مرحة مٹيرة للانتباه أنا أكيد حظي حلو عشان ألاقي هنا استغربت تهاني لقدوم ممدوح إلى هنا ونهضت قائمة لترحب به بودية متكلفة اتفضل يا دكتور لم يكن بحاجة إلى أي دعوة ليجلس فقد تقدم من تلقاء نفسه تجاه مكتبها واستقر على المقعد الشاغر أمامها نظر إليها ملء عينيه متسائلا في اهتمام وابتسام إيه الأخبار معاكي وراكي شغل ولا حاجة أجابت نافية لأ كنت بذاكر شوية اللي فاتني هز رأسه في تفهم ليتابع بنظرات قوية مدققة مسلطة عليها مالك يا دكتورة حاسك زعلانة من حاجة وقبل أن تفكر في الإحجام عن الرد استأذنها بلباقة ترفع عنه الحرج تسمحيلي أعرف ده لو مكانش يضايقك أو فيه تدخل مني كانت بحاجة للتنفيس عما يجيش في صدرها من كبت وضيق فتكلمت على مهل كما لو كانت تستخلص الكلمات بصعوبة لتعبر عن حالها لأ بالعكس سكتت لهنيهة في تردد قلق سرعان ما تغلبت عليه لتستأنف حديثها إليه وكأنها تحاول الاستئناس بالتحاور معه أنا أصلي قلقانة شوية على والد دكتور مهاب كان قالي إنه تعبان وهو سافر يطمن عليه راقبها ممدوح بلا تعقيب لكن نظراته تبدلت لشيء آخر غامض بينما اندفعت زفرة طويلة من جوفها وهي تكمل ولحد دلوقتي مش عارفة حاجة عنه مرة ثانية سألته وهي ترى ذلك التعبير المبهم الذي استحوذ على كامل ملامحه هو كلمك اختصر جوابه قائلا لسه انتابتها الهواجس فاضطربت قسماتها وتوترت نظراتها لذا أخبرها مشيرا بيده ليثبط من المشاعر السلبية التي استحوذت عليها اطمني لو كان في خبر وحش كنا عرفناه الحاجات دي مابتستخباش أراحها رأيه قليلا فحركت رأسها بهزة خفيفة وهي تغمغم ربنا يعديها على خير أغلقت دفتر الأوراق المفتوح أمامها ونهضت قائلة في إحباط يمتزج بالحزن أنا مش قادرة أركز أكتر من كده قام بدوره وخاطبها بتفهم مافيش داعي ترهقي نفسك دست ما لديها في حقيبتها المتسعة تأهبا لانصرافها لكنه اعترض طريقها مقترحا بحماس تعرفي إنتي محتاجة تغيري جو تشوفي حاجة جديدة تجدد نشاطك كانت فاقدة للشغف فعلقت حقيبتها على كتفها وتمتمت بغير اهتمام ماليش مزاج أعمل حاجة ألح عليها بتصميم جاعلا الرفض مسألة غير قابلة للتفاوض سبيلي نفسك وأنا هخليكي في حالة تانية خالص ومش هاقبل بأعذار نهائي تحرجت من رفض دعوته وقالت مش هاينفع أنا آ قاطعها بإصرار أكبر كده هزعل أرجوكي يا دكتورة أنا غرضي أسعدك للحظة فكرت في كلامه فقد احتاجت للهروب من دوامة القلق التي تعتصرها أبدت موافقتها قائلة وهي توسم شفتيها ببسمة رقيقة طيب تظاهر بالسعادة العارمة لقبولها لكن في دواخله غير المرئية لها كان ېحترق كمدا فقد أصبح مدركا أن المنافسة بينهما بدأت لتوها وخصمه راح يشرع في تنفيذ مخطط استدراج ضحيته الجديدة لشباكه باللجوء لنفس الحيل القديمة المستهلكة الاختفاء المريب والغياب الطويل وتعذيب الوجدان بإحساسي الفراق والهجر المرير لتصير بعدئذ لقمة يسيرة سهلة المضغ فترفع رايات الاستسلام دون أدنى مقاومة بعدما استنزفتها مشاعرها المرهفة قال بتحد متحفز لنفسه وفي عينيه تصدح هذه النظرة الماكرة هنشوف هترسى في الآخر على مين يتبع الفصل الثامن الفصل الثامن الجزء الأول اللعبة الحقېرة صحراء من الصمت المرير عاشت فيها بغيابه المفاجئ عنها حاولت التغلب على ما يعتريها عقلها ولو لبرهة من التفكير في شأنه ظنت تهاني أن رفيق جولتها سيصحبها إلى أحد المطاعم الجديدة لكونه خبير في هذا الشأن لكنه وعلى غير توقع إلى البلدة المجاورة ليصل كلاهما إليها بعد ساعتين من
 

16  17  18 

انت في الصفحة 17 من 84 صفحات