الأربعاء 27 نوفمبر 2024

رحلة الآثام بقلم منال سالم

رحلة الآثام بقلم منال سالم

انت في الصفحة 18 من 84 صفحات

موقع أيام نيوز


القيادة المتواصلة والمصحوبة بحديث أحادي الجانب عن مواضيع شتى كانت في غالبيتها تنصت فقط إليه صف السيارة خارج الميناء التابع لهذه البلدة وسألته بحاجبين معقودين هو احنا بنعمل إيه هنا أخبرها بغموض ووجهه تداعبه ابتسامة شقية هتعرفي دلوقتي اتفضلي ثم أشار لها بيده لتتحرك فتبعته صامتة إلى أن وجدته يقوم بالحديث مع أحدهم من أجل استئجار أحد تلك اليخوت الصغيرة لتستقلها في جولة بحرية أسعدتها المفاجأة السارة وصعدت أنا عمري ما ركبت مركب في حياتي دي أول مرة وفي يخت بجد كتير عليا صحح لها ممدوح ما فاهت به بطريقة ماكرة ومراوغة لاستدراجها إلى طرفه في هذه المنافسة القائمة ليه متقوليش إنه حظي الحلو خلاني أشاركك التجربة الجميلة دي أحست بشيء من الحرج وردت وهي تشيح بوجهها لتحدق في صفحة المياه المتموجة بهدوء شكرا يا دكتور ممدوح كلك ذوق شعرت به يتحرك مبتعدا ليغيب عن أنظارها فسحبت شهيقا عميقا ملأت بهوائه النقي رئتيها المعبأتين بالهم ظلت مستغرقة في تحديقها الهائم إلى أن عاد مجددا وفي يده كأسا مملوءة اتفضلي تحفزت في جلستها وسألته بتردد دون

أن تمد يدها لتأخذه إيه ده معلش أنا مش بشرب ضحك في لطافة وتكلم من بين ضحكاته الصغيرة مدهوشا ده عصير فواكه كوكتيل إنتي فكرتيه حاجة تانية زاد شعورها بالخجل وردت معللة وهي ترمش بعينيها بعدما أخذت الكأس منه أسفة أصل افتكرت دكتور مهاب لما عزم عليا بشمبانيا في التو أخبرته بلا تفكير رفضت طبعا جلس مجاورا لها وأردف في إيجاز كويس أحست من طريقته المقتضبة أنه ما زال يريد إضافة المزيد وصدق حدسها عندما استأنف مسترسلا بغموض محير أصله متعود يعمل دايما كده مع اللي يعرفهم وخصوصا الچنس الناعم ما هو معجباته كتير بقى شعرت بدمائها تحنقن بقدر من الغليل يسري في عروقها ويحتل كل ذرة في كيانها ليجعلها على أهبة الاستعداد للانتفاض والثورة ضد ما تسمعه تضاعف ذلك الشعور الحانق بقوله المستفيض وهو الصراحة مايتسابش ألف مين تتمنى ترتبط بواحد زيه مركز وسلطة ومال وعيلة امتلأ جوفها بذاك المذاق المرير فقربت الكأس من فمها لترتشف منه القليل لكنه كان كالعلقم السقيم وممدوح لا يزال يخبرها بما زعزع أمنياتها بس هو مش بتاع جواز أخره يقضي يومين حلوين مع بنت جميلة شوية ويزهق ويرجع يدور على غيرها ومش فارق معاه إن كانت مشاعرها هتتأذى ولا لأ خفضت الكأس ويدها ترتعش حاولت النظر إلى الأفق الأزرق الممتد على مرمى بصرها وصوته يتخلل إلى أذنها ليخبرها بما أجج بداخلها مشاعر الضيق والحنق والغيظ أحست بتورية خفية في ختام جملته ربما كانت هي المقصودة بهذا فالتفتت تنظر إليه وهي تحتج على مقصده بانفعال ملحوظ وأنا مالي هو حر في تصرفاته أنا مش هحاسبه ازدادت أصابعها إطباقا على الكأس وهي تواصل الحديث بعصبية بائنة رغم خفوت صوتها وعلاقتي بيه في إطار إننا زملاء وبس ثبتت تهاني نظراتها عليه وأنهت كلامها قائلة بحسم غاضب مش أكتر من كده ثم تركت الكأس من يدها المتشنجة دون أن تنتبه جيدا لموضع إسناده فتركته في الفراغ فسقط في التو وانسكب محتواه على السطح الخشبي هبت واقفة وأبدت انزعاجا كبيرا من تصرفها الأخرق وكادت تنطق بشيء لتعتذر عن حمقها لكن ممدوح تدخل قائلا وقد قام واقفا حصل خير ما تشغليش بالك كما كان عليه قبل قليل فاستطرد ممدوح مخاطبا إياها بتحذير مباشر وهو مسلط نظره عليها أنا عاوزك بس تاخدي بالك ماتتخدعيش بالكلام الحلو صاحت به بحدة أنا مش عبيطة يا دكتور امتص ڠضبها بحنكة وعلق مرددا بهدوئه الواضح كما لو كان يمدحها بغزل مستتر مش قصدي أي إهانة في كلامي بالعكس إنتي إنسانة ذكية وأنا واثق من قدرتك على الاختيار الصح قابل هجومها الظاهر بنفس الأسلوب المسالم وقال متفهما حاضر تركها بمفردها وذهب بعيدا لتشعر بكتفيها يسقطان من يأسها المحبط زحفت الدموع إلى يعني أنا زيي زي غيري مجرد لعبة في إيده اختفى ما ظنت أنه كان جميلا بوجوده لتحل هذه التخيلات القبيحة رأسها وتشحن تفكيرها ضده من مكان وقفه بالخلفية راقبها ممدوح مستمتعا بما أحرزه من تقدم ماكر في إفساد خطة رفيقه فما أمتع المنافسة على شيء يجيد كلاهما الاقتتال عليه بنوع من الحسد وقفت تتأمل لبضعة دقائق عبر زجاج الشرفة شريكتها في السكن وهي تحادث أحدهم بعدما ترجلت من هذه السيارة الغريبة أمعنت النظر في طرازها الحديث واللافت للنظر كانت مختلفة تماما عن تلك التي اعتادت إيصالها بشكل يومي إلى هنا وكذلك عن الأخرى التي يستقلها هذا الجراح المشهور الاحتياج والعوز لدى الآخرين الواحد المفروض يتعلم منك السهوكة اللي على حق شردت نظراتها في الفراغ ودمدمت بنبرة مغتاظة شكلك ناوية تطلعي من البعثة الفقر دي بعريس ووظيفة تنهدت مليا لتضيف بعدها بقنوط يا سلام لو عندي نص حظها ثم سارت تجاه الباب استعدادا لاستقبالها ما إن أطلت عليها حتى اندفعت تجاهها تسألها بغيرة ظاهرة في صوتها إيه يا سيدي الدلع ده كله مافيش يوم وتاني يعدي عليكي إلا لما ألاقي حد يوصلك لأ وعندهم عربيات عجب العجاب هذا ما كان ينقصها حقا واحدة مثلها كالكائن الطفيلي تعد عليها أنفاسها وتراقبها في كل شاردة وواردة ألا يكفيها شعور الاختناق المستبد بها لتأتي وتجهز عليها بكلامها المسمۏم لذا هدرت تهاني صاړخة فيها دون مقدمات لعلها تكف عن ترصدها بهذه الطريقة الفجة ابتهال ملكيش دعوة باللي بعمله وأحسنلك متركزيش معايا إنتي متعصبة عليا كده ليه بس ما لبث أن تابعت بتلميح مبطن لم تستسغه ده أنا حتى نفسي أتعلم منك أبقى ناصحة زيك كده أطبقت تهاني على شفتيها محاولة ضبط أعصابها لكنها تأهبت مجددا عندما نطقت الأخيرة بغير احتراز لتستفزها بس أرجع وأقول اللف الكتير مش حلو ارسيلك على واحد انفلتت منها صيحة أخرى مغلفة بالھجوم وهي تلوح بيدها لها ملكيش فيه ومش من حقك تتدخلي في حياتي ولا تملي عليا اختياراتي أنا حرة اللي أشوفه كعاصفة رعدية هادرة تحركت من أمامها لتتجه إلى غرفتها صافقة الباب پعنف خلفها فانتفض جسد ابتهال في ذعر مشوب بالاندهاش حكت بعدئذ فروة رأسها متسائلة بتحير غريب هي مالها دي ثم هزت كتفيها في عدم اكتراث وسارت تجاه المطبخ وهي تحادث نفسها أما أروح أشوف في إيه في التلاجة أكله بدل ما عصافير بطني عمالة تزقزق اضطرب نومها ووجدت صعوبة في استدعائه فظلت غالبية ساعات الليل يقظة العقل والمشاعر طغى عليها إحساسها بأنها ضحېة الاستغلال والخداع خاصة مع تكرار كلمات ممدوح الأخيرة لها في عقلها ليشعرها ذلك بمدى الحقارة والوضاعة التي كانت عليها حينما تساهلت في التعامل مع رفيقه مهاب خلال رحلتهما المزعومة إلى المؤتمر الطبي معتقدة في نفسها بسذاجة أنها ذات تأثير قوي عليه لكنه كان يستغلها لصالح أهوائه وللظفر بلحظة ماجنة معها كانت فيها بطلتها الحمقاء ومع زاد الطين بلة أيضا سخافات ابتهال فجعل شعورها بالاختناق يتضاعف حتى كاد يطبق على أنفاسها مسحت الدموع المتأثرة من عينيها ورددت تلوم نفسها بصوت محموم خاڤت يعني أنا مجرد رقم في القايمة بتاعته اختنق صدرها أكثر وغصت بالمزيد من البكاء فتركت عبراتها تنساب على وجنتيها لم تطق هذه الفكرة مطلقا كيف لها أن تنخدع بحماقة لما حاول إغوائها به وهي من المفترض أن تكون الفتاة الذكية ذات التفكير المتعقل تبللت وسادتها عندما تقلبت على جانبها لتتساءل بحړقة دي بقت قيمتي عنده واحدة رخيصة من الشارع أنا مش هسمح ليه أو لغيره إنهم يضحكوا عليا من تاني سحبت الغطاء ووضعته أعلى رأسها وهي تؤكد مرة أخرى لنفسها رغم إحساس المهانة الذي عشش في قلبها أهوو درس اتعلمت منه بجسد مشدود وكتفان منتصبان وقف سامي خلف مقعد أبيه بمسافة خطوة ينتظر في صمت تام انتهائه من مراجعة الملفات الموضوعة على مكتبه قبل أن يزيل كل واحدة منها على حدا بتوقيعه للحظة ناوش عقله أمنية واحدة ملحة لا يكف عن التفكير فيها أبدا أن يصبح وريث ذاك العرش الوحيد المتحكم في إمبراطورية الجندي ما لبث أن تبخرت أحلامه حينما أعلنت السكرتيرة عن وصول شقيقه الأصغر وتواجده بالخارج تصلب في وقفته وراحت حواسه تتأهب في تحيز مناهض له أصبحت ملامحه تميل للامتعاض الشديد ونظراته للحدة حينما فؤاد باشا والدي العزيز ألقى والده قلمه الحبري من بين أصابعه ونظر إليه هذه النظرة المعنفة قبل أن يلومه لسه فاكر إن ليك عيلة لاذ مهاب بالصمت وسار على مهل قاصدا مكتب أبيه الضخم بينما استغل سامي الفرصة ليوبخه هو الآخر كما لو كان يوغر بذلك صدر والده ويحفزه ضده فيتخذ موقفا مناوئا ومعاديا له فهتف به في تجهم ساخط ده مصدق طبعا إنه يسافر برا عشان يبقى على راحته مافيش رقيب عليه ولا حسيب تحولت أنظار مهاب إليه رمقه بنظرة ڼارية قبل أن يرد بهدوء تشوبه سمة العنجهية أنا مش مستني رقيب يقولي أعمل إيه ومعملش إيه يا سامي تابع تقدمه تجاه المكتب إلى أن أصبح في مواجهة شقيقه لم يبعد ناظريه عنه وتابع بغرور يليق به أنا مهاب الجندي وعارف يعني إيه إني أكون ابن فؤاد باشا الجندي انحنى قليلا واضعا الحقيبة على الطاولة القصيرة التي تنتصف ما بين المقعدين وأكمل في رنة هادئة وعشان أخيب ظنك أنا مش مقضيها فسح وتضييع وقت زي ما إنت فاكر فتح قفلها ليتمكن من إخراج عدة ملفات بها استقام واقفا ثم خاطب والده بتوقير اتفضل يا باشا زر فؤاد عينيه متعجبا وهو يأخذ منه الملفات إيه دول أجابه باسما في ثقة كاملة ده ورق توكيل حصري بتوريد الخامات اللي محتاجينها من برا بأقل من السعر الحالي بحوالي التلت بفم مفتوح وملامح مبهوتة حملق سامي في شقيقه مصډوما حيث برزت عيناه في محجريهما وهو يكاد لا يصدق ما يتفوه به زاد تأثير الصدمة على قسماته عندما تابع توضيحه المتباهي وده عقد شراكة مع مؤسسة لتصدير إنتاجنا ليهم بضعف سعر السنة اللي فاتت تطلع فؤاد إلى كل ملف باهتمام ممزوج بالإعجاب وانعكس ذلك على تعبير وجهه الساكن بينما استمر مهاب في تعزيز ذلك الشعور لديه بإخباره أما ده بقى لم يتركه والده يكمل جملته لنهايته حيث قاطعه ملتفا برأسه نحو ابنه يخاطبه بنوع من المقارنة شايف أخوك يا ريت تتعمل
 

17  18  19 

انت في الصفحة 18 من 84 صفحات