الأربعاء 27 نوفمبر 2024

رحلة الآثام بقلم منال سالم

رحلة الآثام بقلم منال سالم

انت في الصفحة 20 من 84 صفحات

موقع أيام نيوز


في توجس شديد دي لو عملت كده أبقى أنا ضعت على الفاضي التنازل يبدأ بمرة تتنحى فيها المبادئ جانبا ثم يستمر ذلك في الحدوث تباعا كحبات العقد حينما تنفرط من رباطها وتتناثر في كل اتجاه ليتحول في الأخير لأمر إلزامي على صاحبه جاء بدري لزيارة زوجته في بيتها بعد تحديد ميعاد مسبق جلسا معا بالصالة وبمفردهما فتوهمت الأخيرة أنه أتى بالبشارة ليسعدها بأخبار سارة تخص إعلان موعد زفافهما لكنه صدمها بمسألة سفره للخارج فوجمت وجفل قلبها ابتلعت فردوس ريقها بصعوبة وسألته بتعابير شاردة ونبرة مهتزة طب وجوازنا أجابها ببرود تام مافيهاش حاجة لما يتأجل شوية زحفت الدموع إلى مقلتيها حتى بدا وجهه مشوشا في عينيها تجاهل ما تشعر به وزفر معللا لها رغبته مش أحسن ما يبقى حالنا على أده ده أنا هشتغل عشان أجيبلنا بيت يبقى بتاعنا لواحدنا حين رفرفت بجفنيها انسكبت عبراتها على صدغيها لتبكي في صمت مقهور ورغم هذا لم يبد بدري متأثرا بحزنها الجلي لكنه حاول أن يظهر تعاطفا غير موجود فيه فربت على ذراعها في رفق وتابع الحكاية مش هتطول ده كام شهر بالكتير ولو ما اتوفقتش هرجع تاني تفرس فيها بناظريه وأدرك حينها أنه منذ اللحظة الأولى لم يشعر بالانجذاب إليها حاول إرغام نفسه على تقبلها وأكمل ما ظن أنه مناسب لشخص مثله لا يملك إلا القليل فارتضى بها شريكة في حياته لن تشتكي فقره ولن تطمع في تحقيق ما يفوق قدراته ومع ذلك ظل هذا النفور سائدا لكن ما لبث أن ازداد تعمقا به حينما لاحت هذه الفرصة الذهبية في الأفق فكيف له أن يضيع ما أوشك على الظفر به مقابل التمسك بها حضر من تأملاته الشاردة لينعكس ضيقه على تقاسيم وجهه عندما خاطبته فردوس بحزن طب ما تاخدني معاك واهوو ناخد بحس بعض هتف منتقدا ما رددته بحدة شيفاني يعني غاوي غربة وپهدلة انتفض بدنها من صراخه رغم خفوت نبرته فتنفس من بين أسنانه ببطء ليضبط حاله لم يرغب لما أرتب أموري غير كده مش هاقبل على نفسي أبهدلك في بلاد غريبة يا بنت الناس داهمها الحزن أكثر فخشي أن تنوح ويتضاعف بكائها فتأتي والدتها لمحاسبته لذا أضاف ملطفا ولو كان كڈبا أنا مستغناش عنك استسلمت مصدقة عذب كلامه وقالت بصوت مهموم هاقول إيه غير أمري لله انتفخ صدره في ارتياح بعدما أتم مهمته بنجاح ليعلق باسما في حبور تعيشي يا بنت الأصول فهمي أمك بقى على الحكاية وأنا هعدي عليكي تاني قام واقفا وودعها في الحال سلام اصطحبته إلى الباب وهي تمسح بقايا دموعها براحة يدها لتستدير دفعة واحدة فور أن أغلقت الباب لتنظر إلى والدتها التي بادرت بسؤالها في إيه يا فردوس قالبة سحنتك ليه مع انحدار الشمس نحو المغيب كان كلاهما يقفان عند الجراج الملحق بالمشفى أمام سيارته في انتظار وصول العربة التي تقل تهاني إلى مسكنها فالأخيرة قد أصرت على إعادة ما استعارته من كتب ومراجع إليه لتنهي بذلك السبب الذي يدفعها لمقابلته لاحظ ممدوح إنتي مش معايا النهاردة في حاجة مضايقاكي تنبهت من شرودها المحفوف بما يزعجها ويقلقها من نوايا ابتهال غير المعلومة لها لكنها حتما لن تشارك مخاوفها معه تصنعت الابتسام وردت لأ عادي شكرا مرة تانية على الكتب أنا ممنونة ليك وضع يده في جيب بنطاله وعقب باسما قالت كنوع من المجاملة حاضر أملت أن تصل العربة في أي لحظة لتعفي نفسها من هذا الحرج ومن إيجاد أي مبررات لتفسير موقفها الحذر معه اندفعت ناظرة إليه بنظرة ضيقة عندما تكلم مرة أخرى في صوت هادئ لكنه جاد المهم أنا كنت عاوز أبلغك بسفري سرت خفقة غريبة في قلبها لأن ذكره لمسألة السفر أنعش ذاكرتها بما بذلت كل الجهد لنسيانه إنت هتسافر أطلق زفرة بطيئة من جوفه وعقب بلهجة شبه منزعجة إن كان عليا مش حابب بس مضطر أرجع أبقت عينيها عليه فأكمل بلؤم مدروس أنا لازم أطمن على الباشا فؤاد ظهرت الحيرة في وجهها فأعطاها التوضيح المطلوب والذي كان متيقنا أنه سيؤثر فيها والد مهاب أحست بغصة قاسېة تحز في قلبها قاومت انعكاس تأثيرها عليها وحافظت على جمود ملامحها إلا أن نظراتها نطقت بما لم يبح به لسانها ابتسم في مكر وأردف وهبعتله سلامك طبعا زفر ممدوح الهواء عاليا ليضيف بعدها أنا مش عارف هيعدي عليا الكام يوم دول إزاي التفتت تنظر إليه في شيء من الاستنكار لكنه أبدى أسفه النادم في التو أعذري جراءتي شوية بس أنا خدت على إني أشوفك كل يوم ولو لدقايق لعقت شفتيها وهتفت مشيرة بيدها للأمام نحو حافلة صغيرة قادمة من على بعد عربيتي جت ودعها ويده ممدودة لمصافحتها خدي بالك من نفسك ارتجفت من تصرفه المبالغ فيه فلم يكترث وسألها وهو مسبل عينيه تجاهها في حاجة حابة أجيبهالك معايا وأنا جاي سحبت كفها هاتفة بارتباك لا شكرا همت بالابتعاد عنه لكنه مجددا اعترض طريقها ليعترف بنزق زاد من ربكتها هتوحشيني حذرته بنظرة مدهوشة دكتور ممدوح تراجع خطوة للخلف وقال مطرقا لرأسه أنا أسف ما لبث أن ثبت نظره عليها ليتابع بتخطيط مدروس بس اتعودت أعبر عن اللي بحسه بصراحة للناس الغاليين عندي حافظ على تبسمه العذب وهو ينصرف تجاه سيارته أشوفك على خير يا دكتورة هو بيعمل كده ليه معايا كان أول ما فعله عندما عاد إلى أرض الوطن هو الالتقاء برفيق الدرب وصديق السوء فكانا على موعد مع فتاتين من محترفات الإغواء في منزله الخاص بمغامراته الجامحة ليمضوا جميعا سهرة مميزة بها من المغريات ما يلهب الحواس ويشعل الرغبات قص مهاب ما حاكه ببراعة ليجعل كفة الميزان ترجح لصالحه أثناء مواجهته مع أبيه في مقر عمله فنال بلا عناء رضائه وأوقع شقيقه الأرعن في مكره فأصبح الأخير هو المقصر والملام بدلا من تمجيده كركر ممدوح ضاحكا وارتشف من كأس شرابه المسكر ليردد بعدها في إعجاب كبير يا ابن الإيه ده إنت شيطان عشان ما يلعبش على النغمة دي كتير جملتين حلوين دخلت بيهم على الباشا الكبير على طول صدق واقتنع بعدئذ جسدها بذراعيه أصبحت كليا أسيرته ولم تظهر أدنى مقاومة له تركته ينهل عدد لا وإنت سيد مين يلعب بالكلام أستاذ طرح الأولى عنه بجفاء وكأنها نكرة لتسقط عند قدميه متأوهة من الألم المباغت الذي ضړب جسدها ليتحول صوت أنينها لضحكة مجلجلة وقدم مهاب تداعب بطنها المكشوف نظر لها بغير مبالاة وقال وهو يتخطاها خدها أنا زهقت منها نهض ممدوح بتكاسل من موضعه لم يتمكن من الوقوف باستقامة فقرر التمدد بجوار الفتاة على البساط صاح هاتفا بترحاب غريب وهو يزحف تجاهها هدية ماترجعش يا صاحبي مد يده تجاه الطاولة ساحبا من علبة سجائره واحدة ليشعلها وراح يطرد دخانها ببطء بعد برهة انضم إليه مهاب وجلس في مواجهته وفي يده زجاجة الخمر سكب البعض في كأسه وسأله إن كان يرغب في مشاركته الشرب فقبل في التو ليشعل هو الآخر بعد ذلك سېجارة تمهيد ناوي على إيه مع الصيدة الجديدة لم يفهم مراده فرد عليه متسائلا قصدك مين بادله نظرة غامضة محملة بالكثير قبل أن يجيبه بكلمة واحدة تهاني قهقه ضاحكا في استهزاء ليردد من بين ضحكاته ساخرا أنا فكرتك بتكلم عن حد مهم عموما هي مش في دماغي جاء تعقيب ممدوح معاتبا وده ينفع تسيب الساحة ليا كده ألعب فيها لواحدي نفض مهاب رماد سيجارته المحترق بهزة صغيرة من إصبعيه وعلق بلا اهتمام اعتدل ممدوح في جلسته هاتفا بتحفز طفيف ومين جاب سيرة الجواز تلاقيك خاېف لأقطفها قبلك أخبره بغطرسة واثقة إنت عارفني مافيش واحدة تستعصى عليا مهما كانت فين ثم مط فمه قليلا وأضاف بغرور معروف به وتهاني مش هتاخد في إيدي غلوة لم يبد ممدوح مقتنعا بهالة السيطرة التي يحاول إبهاره بها فاستخف به مما جعله يزداد تحمسا لخوض هذه المغامرة فهتف يعلمه بما قرره في التو تراهني هخليها تسلملي نفسها برضاها ومزاجها تطلع إليه بهذه النظرة المستهترة وعلق عليه بلهجة شبه مقللة من شأنه أيوه بكلامك الحلو وكاسك اللي يدوخ أسلوبك معروف وأنا حافظه كويس تحداه مهاب قائلا بصوت غامض ومثير لأ هغير التكنيك خالص وهتشوف عندئذ تقوست زاوية فم رفيقه والتصقت بها ابتسامة لئيمة مطعمة بالتحدي ليستطرد

معلنا قبوله الدخول في ذلك النوع من المراهنة الخطېرة مستنيك تبهرني يتبع الفصل التاسع الفصل التاسع القرار غلبتها قلة الحيلة أمام تطفل هذه السمجة فلم تجد بديلا سوى الانتقال من السكن الحالي والبحث عن آخر يتوافق مع وضعها المادي والنفسي الاختيارات المتاحة لديها كانت محدودة للغاية فوقع الخيار في النهاية بعد بحث استمر لمدة أسبوعين على مسكن أكبر في المساحة يضم ثلاثة غرف تشترك كل اثنتين في غرفة فيما عدا واحدة ظلت شاغرة وقفت تهاني أمام باب الغرفة الأخيرة تتأملها بنظرات مزعجة لو لم تكن مضطرة لما ارتضت بذلك بديلا حافظت على جمود ملامحها بعدما ألقت نظرة متأملة على الغرفة التي تضم سريرين منفردين وخزانتين مستقلتين بالإضافة إلى طاولة مستديرة ومقعدين خشبيين ومرآة تسريحة ملتصقة بالحائط حادت ببصرها عن النظر إلى محتوياتها والتفتت مخاطبة في هدوء شبه رسمي السيدة المسئولة عن تسكين المغتربات هنا مناسبة هاخدها ردت السيدة عليها بتشجيع إن شاءالله تتبسطي فيها البنات هنا كلهم محترمين ومجتهدين وشغالين في وظايف حلوة اللي مدرسة واللي ممرضة وآ قاطعتها قبل أن تنهي جملتها قائلة بجمود أنا بحب الخصوصية فأتمنى محدش يشاركني في الأوضة بعد ما دفعت الدبل فيها هزت رأسها في تفهم وقالت اطمني ثم مدت إليها يدها بالمفتاح قائلة ببسمة متسعة دي نسختك أهي أخذته منها وهي تقول بإيجاز شكرا أكدت عليها مرة أخرى وهي تهم بالانصراف لو في حاجة ناقصة بلغيني أو سبيلي رسالة مع الأمن تحت طيب قالت كلمتها وهي تسير معها إلى باب المسكن حيث كانت تتواجد إحدى القاطنات بالاستقبال الصغير وجهت السيدة حديثها إليها بأسلوبها المرحب دي زميلتكم تهاني هتقعد معاكو من النهاردة يا نزيهة حولت نزيهة ناظريها تجاهها للحظة دون أن تبدو مهتمة فعليا بها ثم ابتسمت بتكلف قبل أن تتابع تقليم أظافرها لتنصرف السيدة بعدئذ تاركة الاثنتين بمفردها لم تحاول تهاني صنع أي صداقة ودية مع هذه الشابة الغريبة عنها حملت
 

19  20  21 

انت في الصفحة 20 من 84 صفحات