الأربعاء 27 نوفمبر 2024

رحلة الآثام بقلم منال سالم

رحلة الآثام بقلم منال سالم

انت في الصفحة 21 من 84 صفحات

موقع أيام نيوز


حقيبتها واتجهت إلى غرفتها لتغلق الباب عليها وهي تردد بصوت خفيض كده أحسن أدركت مدى صعوبة الوضع الذي أصبحت عليه حين تساهلت مع الغرباء كل شيء قد بات مهددا وربما تخسر ما تحاول فعله قبل أن تتمه من الأساس لذا كان القرار الصائب من وجهة نظرها الهروب مما يعرقل تحقيق نجاحها تأكدت من إحكام غلق البرطمان جيدا بعدما عبأته بصنيع يدها المميز من الحلاوة السوداء لتضمن عدم تسرب محتوياته حينما تنقله ثم لفته بكيس بلاستيكي صغير وعقدته من الأعلى قبل أن تضعه في آخر لتتمكن ابنتها من حمله بمفرده مرة أخرى ألقت عقيلة نظرة مدققة على الحقيبة القماشية التي وضبتها لتتفقد ما ملأتها به فقد أحضرت خصيصا زبدة فلاحي وقطع من الجبن وبعض المخبوزات المنزلية لترسلها مع ابنتها في زيارتها لحماتها نضح قلب فردوس بالبهجة وهي تتحمس لملاقاة والدة زوجها فإذ برؤياها تشبع توقها للتواصل معه فمنذ أن سافر لم يرسل إليها ولم لمرة واحدة أصغت بانتباه لتعليماتها وهي تحذرها بإشارة من إصبعها تمشي على مهلك وخدي بالك من الحلاوة أومأت برأسها هاتفة في طاعة حاضر يامه شددت عليها مجددا وبنفس اللهجة الصارمة وما تطوليش عندها يا بخت من زار وخف جاء ردها على نفس اللهجة المطيعة ماشي تأهبت فردوس لتتحرك بعدما حملت كل شيء لكن أمها استوقفتها آمرة إياها وريني نفسك أنزلت الحقيبة القماشية من يدها والتفتت تحملق فيها بوجه باسم وهي تسألها حلو كده يامه بعد لحظة من الصمت المدقق أخبرتها بملامح جادة خفي اللي على خدك ده شوية اعترضت بشيء من الإلحاح ما حلو يامه خليه عليا حذرتها بغير تساهل عاوزة حماتك تقول عنك مصدقتي جوزك يسافر واتسابتي قصف قلبها توجسا مما فاهت به وقالت بلا جدال معاكي حق كده أحسن أجابتها في حبور أيوه ربنا يصلح حالك ويراضيكي مرة ثانية انحنت لتحمل الحقيبة القماشية في يد وكيس الحلاوة السوداء في اليد الأخرى وسارت نحو الباب فلحقت بها والدتها لتعاونها على فتحه وهي لا تزال توصيها امشي على مهلك وما تتأخريش قالت مبتسمة في سعادة حاضر يامه ظلت تتابعها بعينيها وهي تهبط درجات السلم ودعائها لها يصدح ربنا يسلم طريقك خبت نبرة عقيلة إلى حد كبير وهي تنسحب عائدة إلى بيتها ويهديلك العاصي قصدت بجملتها الأخيرة حماة ابنتها المتسلطة فالأخيرة لا تكف عن مضايقتها بمعاملتها المتجافية رغم أن فردوس لم تبد أي سوء لها ومع ذلك أثرت ألا تثير المتاعب من لا شيء واكتفت بتجنب المواجهة معها قدر المستطاع رقص قلبها فرحا وهي تلج إلى مدخل العمارة ذات الأربعة طوابق حيث تقطن بها حماتها صعدت بتمهل حريص على درجات السلم إلى أن بلغت الطابق الأخير تحمست للغاية لمقابلتها اعتقدت أنها ستفرح برؤيتها وتستقبلها بما يليق من ترحاب وحرارة لكن ما حدث كان على عكس ما توهمته بدت فاترة باردة متعالية ومنزعجة من وجودها نظرت لها شزرا وأشارت لها لتدخل بعدما أمعنت النظر فيما أحضرت معها أولتها ظهرها قائلة بسحنة مقلوبة مكانش لازما تيجي شايلة ومحملة البيت مليان ومعدنيش حاجة ناقصة شعرت بالحرج الشديد من أسلوبها اللاذع ومع ذلك ردت بأدب ده من بعد خيرك يا حماتي حينما استقرت في موضعها فردت ذراعها لتشير نحو الجانب وهي تأمرها حطيهم جوا في المطبخ ظلت محافظة على نقاء بسمتها وهي ترد صاغرة عينيا عندما ولجت إلى داخل المطبخ تفاجأت من كم الأطباق المرصوصة بالحوض وكذلك الأواني غير النظيفة المتكومة بجوار الموقد ففكرت في إبهارها ونيل استحسانها بتقديم العون وتنظيف كل شيء لم تدخر فردوس وسعها وعكفت في التو على إعادة المطبخ لما كان عليه من نظام ونظافة فشمرت عن ساعديها والتقطت سلك المواعين الصدئ لتستخدمه في دعك الأواني المعدنية قبل أن تغسل الأطباق والصحون بإسفنجة شبه بالية متروكة بإهمال فوق الصنبور استغرقها ذلك حوالي الربع ساعة فخرجت بعد ذلك منه وهي تجفف يديها في جانبي ثوبها لتخبرها بصوت شبه لاهث أنا روقتلك كل حاجة هزت رأسها دون أن تنطق بكلمة شكر وأمرتها طب اقعدي هنا عقبال ما أنشر الغسيل ثم وضعت يدها خلف ظهرها متأوهة في ألم ياني يا ضهري في التو رفضت نهوضها وصاحت في تصميم لأ عنك يا حماتي ارتاحي إنتي أسرعت نحو الشرفة حيث تركت حماتها كومة الغسيل الرطبة في طبق بلاستيكي عريض فقامت بالتقاط كل قطعة على حدا ونشرتها على الحبل انهمكت كليا في أداء كل الأعمال المنزلية المنقوصة ملقية على عاتقها بمودة منها مساعدتها فيما لم ينجز على أمل أن تحظى في الأخير على كلمة شكر أو حتى معاملة طيبة جزاء كله بقى تمام والصالة روقتها منحتها والدته نظرة طويلة ناقمة ثم أمرتها وهي تشير برأسها هاتي السبرتاية واعمليلي قهوة مظبوطة أحست بالإحباط لعدم تلقيها التقدير اللازم ورغم ذلك حافظت على ابتسامتها الهادئة وهي ترد في طاعة حاضر جلست عند قدميها ومعها أدوات صنع القهوة أعدت لها فنجانها كما طلبت فارتشفته على مهل وهي تسألها في فظاظة وهي ترمقها من علياها بهذه النظرة القاسېة ما شيعتيش خبر ليه إنك جاية مجددا أحست بخيبة الأمل الممزوجة بالحرج تجتاحها قاومت شعورها بالخذلان وأجابتها بتردد أنا لاقيت نفسي فاضية فقولت أجي أونسك تفاجأت بها تهاجمها لفظيا كأنما أجرمت في حقها وحد قالك إني مقطوعة لا سمح الله اتقاء لغضبتها الوشيكة اعتذرت منها دون أن تكون بالفعل مخطئة مش قصدي بس الدنيا ما بقلهاش طعم من بعد ما سي بدري سافر ردت عليها بتحفز وهي تسدد لها لكزة قاسېة في جانب كتفها حسه في الدنيا ياختي ربنا يحفظلي كل عيالي زاد إحساسها بالحرج وهتفت في صوت خاڤت ونظرة کسيرة يا رب فقدت فردوس الرغبة في مشاركتها أي نوع من الحديث خشيت من إثارة ڠضبها بلا سبب فلزمت الصمت وهي تستشعر موجات الحزن المطعمة بالجفاء تموج في داخلها تنبهت لها عندما خاطبتها في حدية بعد برهة بقولك إيه أنا رايحة البلد عن قرايبي هفضل هناك فترة فماتجيش تاني مش هتلاقي حد في البيت في تلقائية بحتة سألتها مستفهمة طب هترجعي إمتى صاحت بها بصوت حانق ومنفعل هو تحقيق انكمشت على نفسها رهبة منها وهتفت مبررة لأ أنا بس حابة أطل عليكي كل وقت وتاني لوحت لها بيدها عندما علقت بعبوس اطمني مش محتاجالك ما إن أنهت فنجان قهوتها حتى هتفت فيها بما يشبه الطرد يالا على بيتك أنا دماغي تقيلة وعاوزة أريح حبة اڼصدمت بتصرفها المهين لها فتأثرت عيناها ولمعت فيهما العبرات قامت ناهضة وهي ترد في خجل شديد ماشي يا حماتي بالكاد لملمت شتات نفسها المتبعثرة وهي تحاول بصعوبة ألا تبكي لتتابع فوتك بعافية لم تضف شيئا ولم تودعها حماتها فبلغت عتبة الباب وانحنت لتنتعل حذائها همت بفتحه لكنها وجدت عوض يسبقها أطرق الأخير رأسه حرجا لرؤيتها أمامه ثم قام بتحيتها في تهذيب السلام عليكم بلعت ريقها وقالت بصوت مال للحزن وعليكم السلام استشعر الضيق في نبرتها فقال محاولا تخفيف ما ظن أنها قد تعرضت له في غيابه وهو ينظر تجاه والدته الملازمة دوما لموضع جلوسها يا أهلا وسهلا بالناس الغاليين اتفضلي علقت بصوت مرتعش دون أن تنظر ناحيته لأ أنا كنت نازلة أصر عليها محتجا بجدية رغم هدوء نبرته مايصحش تمشي لوحدك استني أوصلك رفضت مجيئه وقالت وهي تتجه للخارج كتر خيرك المسافة مش بعيدة استوقفها بقوله المعاند ده يبقى عيبة في حقنا أشار لها لتنظره بالخارج واستكمل كلامه استنيني لحظة أعرف الحاجة جوا لم تجد بدا من الرفض أمام تصميمه فهتفت في استسلام يائس طيب أسرع عوض متجها إلى والدته ليخبرها باهتمام هاروح يا أمي أوصل مرات أخويا لبيتها اعترضت عليه بوقاحة وهذه النظرة الحاقدة تطل من عينيها هي ناقصة رجل ما تسيبها تغور لواحدها عاتبها بقوله اللين لا حول ولا قوة إلا بالله دي ضيفة في بيتنا وإكرام الضيف واجب يا خويا بلا قرف سدد لها نظرة أخرى مليئة باللوم لكنه لم ينطق بشيء بل اتجه عائدا إلى فردوس التي تنتظره بالخارج وهو يفكر مليا في كيفية إرضائها دون أن يشعرها بالحرج حين أخبرتها جارتها إجلال بورود اتصال هاتي من ابنتها المقيمة بالخارج هرولت عقيلة مسرعة إلى محل البقال لتتمكن من الحديث إليها في التو مكتفية بوضع الحجاب القماشي على رأسها دون أن تفكر للحظة في تضيع الوقت في تبديل قميصها المنزلي الفضفاض تأبطت ذراعها كمحاولة منها للاتكاء عليها خلال سيرها المتعجل وهي تهتف بصوت أقرب للهاث تسلميلي يا إجلال نتعبلك نهار فرحتنا بيكي ردت بودية معتادة منها تسلميلي يا خالتي وصلت كلتاهما إلى محل البقال فالتقطت إجلال السماعة السوداء لتناولها إلى عقيلة وهي توجه سؤالها لصاحبه الخط لسه مفتوح أجابها وهو يشير برأسه أيوه بيدها المرتجفة أمسكت عقيلة بالسماعة وضعتها على أذنها وصاحت في شوق جارف ألوو أيوه يا ضنايا ردت تهاني بكلمة واحدة عنت الكثير ماما غلبتها دموعها الأمومية فطفرت من حدقتيها وهي تخبرها بعتاب رقيق وحشني صوتك يهون عليكي أمك المدة دي كلها متسأليش عليها جاءت نبرتها شبه مهمومة وهي ترد ڠصب عني كان عندي شوية مشاكل شهقت عقيلة مصډومة ووضعت يدها على صدرها كأنما تلطم عليه وهي تهتف بجزع وربنا قلبي كان حاسس حاولت تهدئتها بقولها ماتقلقيش كله تمام دلوقتي توسلتها بقلب واجل ما تسيبك من الهم ده كله يا تهاني وتعالي وسط أهلك لحظة من الصمت حلت قبل أن تقطعها قائلة مش هاينفع أنا ورايا حلم عاوزة أحققه كادت عقيلة تعترض عليها لولا أن سمعتها تطلب منها إنتي ادعيلي أخبرتها بوجه اكتسب سمات التعاسة وربنا بدعيلك ليل نهار غيرت تهاني من مسار الحوار فسألتها وفردوس عاملة إيه اتجوزت خلاص تنهيدة عميقة طردتها أمها من رئتيها قبل أن تجاوبها كتبنا كتابها مستنين بس جوزها يبعت ياخدها معاه ظهر الاستغراب في صوتها عندما تساءلت ليه هو راح فين أجابتها وهي تمسح بيدها دموعها المسالة على وجنتيها سافر العراق بيدور على باب رزق جديد أتى تعقيبها مهتما ماشي ابقي سلميلي عليها ردت عليها والدتها بصوتها المتلهف يوصل يا ضنايا إنتي خدي بالك من نفسك وماتغبيش المدة دي كلها عني طمنيني كل شوية عليكي بنبرة شبه عاجلة اختتمت معها المكالمة حاضر لازم أقفل مع السلامة
 

20  21  22 

انت في الصفحة 21 من 84 صفحات