الأربعاء 27 نوفمبر 2024

رحلة الآثام بقلم منال سالم

رحلة الآثام بقلم منال سالم

انت في الصفحة 24 من 84 صفحات

موقع أيام نيوز


إلى واحد من الأكشاك الصغيرة ليتحدث لشقيقه عبر الهاتف في مكالمة دولية مدفوعة الثمن مسبقا حاول غلق الباب لكنه كان عالقا لذا صاح عاليا وهو يجاهد لاستراق السمع لصوته وسط الجلبة الصاخبة المنتشرة من حوله أيوه يا بدري عامل إيه ياخويا أتت نبرته مبتهجة للغاية في نعمة والحمدلله رد عليه وهو يسد بيده أذنه الأخرى ليتمكن من سماعه يستاهل الحمد وإزي أمي كويسة أجابه بنبرة مسرورة أيوه في أحسن حال وربنا دي صحتها ردت لما جت عندي قال عوض كأنما يعلمه بالحقيقة الواقعة بنفس الصوت العالي هي طول عمرها متعلقة بيك يا بدري أثر ألا يضيع الوقت هباء وسأله في التو باهتمام واضح المهم إنت ناوي على إيه مع مراتك أحس بتبدل نبرته وهو يجيبه بصراحة كده أنا مش ناوي أكمل صډمه ما أخبره به فردد مستنكرا في غير رضا بتقول إيه بدا بدري هادئا للغاية وهو يشرح له مبرراته اسمعني بس هي مش من توبي ولا نافعة معايا لم يقتنع بحججه الواهية وهاجمه في صوت منفعل هي جزمة بتشوف مقاسها ينفع ولا لأ دي بني آدمة كاد أن ينطق بشيء لكن عوض واصل مقاطعته وبعدين الناس تقول علينا إيه دي تبقى قلة أصل مننا مرة أخرى صدم برده غير المراعي أبدا ولا فارق معايا حد أنا مصلحتي اللي تهمني وبس عنفه شقيقه الأكبر بضيق متزايد اتقي الله يا بدري تهرب منه بوضوح خلينا نتكلم في ده بعدين أنا ورايا شغل رد عليه بما يشبه التحذير وهو يكظم غضبه ماشي بس راعي ربنا عشان يكرمك هتف بتعجل منهيا معه مخابرته طيب طيب سلام ياخويا وضع السماعة في موضعها ودفع الباب المحشور ليخرج من الكشك الضيق ضاربا كفه بالآخر يمرق بين المتجمهرين وهو غير مستوعب لما قرره شقيقه دون أدنى مسئولية لعواقب ذلك وكأن حياة الأبرياء لا تعنيه ظل يردد مع نفسه وبلا وعي ذنبها إيه المخلوقة دي تظلمها معاك ذنبها إيه بدا وكأنه أودع في هم لا ناقة له فيه ولا جمل لكنه عقد العزم على إقناع شقيقه بعدم تطليقها مهما تكلف الأمر كعهده حينما يتم دعوته لحضور واحد من المؤتمرات الطبية يمضي وقت فراغه في أشهر النوادي إلا أن هذه المرة كانت مختلفة فبدا غير مكترث بالتودد إلى إحداهن أو حتى مواعدة واحدة من النساء استغرب ممدوح من عزوف رفيقه عن أحب الأشياء إلى قلبه وتحير في شأنه يبدو أن تأثير صدمة زواج تهاني كان عميقا للدرجة التي جعلته عاجزا عن تقبل أنه رفض منها ونالها غيره لم يترك لخواطره إرهاق عقله بالتفكير وانضم إليه في طاولته المنعزلة لينظر إليه بتدقيق وهو يتجرع ما في كأسه دفعة واحدة خاطبه مستفهما ليتأكد من ظنونه وهو يفرغ في كأسه القليل شايفك لسه ما رجعتش لمودك الرايق من تاني من طرف عينه تطلع مهاب إليه وتساءل في جمود عاوزني أعمل إيه أخبره بتريث وهو يتلقف بفمه بضعة حبات من المكسرات ما أنا بصراحة مابقتش فاهمك ليه مكبر الموضوع للدرجادي منحه مهاب نظرة طويلة من عينيه الحمراوين وكأن هناك أتون مشتعل فيهما ضغط عليه رفيقه بسؤاله المتعمد ليعزز من شعوره بالألم إيه الخسارة صعبة عليك ثم ضحك ساخرا منه ليضيف بعدها باستخفاف مغيظ بكرة تتعود لم يكن بمقدوره تحمل تلميحاته أو حتى التغاضي عن سخافة عباراته فهدر به في تشنج قفل على السيرة دي هز ممدوح كتفيه غير مبال بالغليل المتأجج بداخله وراح يغوص في المقعد باسترخاء واضح ثم رفع ذراعه للأعلى ليفرقع بإصبعيه لإحدى النادلات شبه المتعريات لتأتي إليه وتقوم بخدمته بطريقتها الاحترافية رفض مهاب المكوث معه انتفض الأول ناهضا ليقول بوجوم حانق أنا قايم أظهر رفيقه عدم اهتمامه بمغادرته ولوح له بيده هاتفا بصوت شبه مرتفع ماتنساش تكريم بكرة لم يرد عليه وانصرف بغضبه الذي يلهب صدره ليردد ممدوح من ورائه في همهمة خاڤتة وپشماتة بائنة للغاية ياخي جرب كده مرة تكون مضايق وما تخدش اللي نفسك فيه جلست القرفصاء أمام طست الغسيل النحاسي تدعك بيديها بياضات الأرائك لتتأكد من تنظيفها جيدا قبل أن تلقي بها في الغلاية المجاورة لها لتضمن الحصول على نصاعة أكثر للون الأبيض أوشكت فردوس على الانتهاء من هذه المهمة الشاقة حينما سمعت صوت أمها يناديها من الخارج عاليا شوفي مين على الباب حاضر يامه هتفت بهذه الجملة وقد توقفت عما تفعل لتنهض من جلستها غير المريحة تأوهت في صوت خفيض واستقامت واقفة ثم جففت كفيها المبتلين بالماء والصابون في جانبي ثوبها المنزلي قبل أن تشد طرفه المثني للأسفل سارت بتعجل تجاه باب البيت فتحته وخرجت منها شهقة متوترة عندما أبصرت رجلا واقفا قبالته بزي الشرطة الرسمي في حركة لا إرادية منها لطمت على صدرها هاتفة يا ساتر يا رب خير يا شاويش شملها فرد الشرطة بنظرته الفاحصة موجها سؤالا رسميا لها ده بيت فردوس شحاته دق قلبها بقوة وراح الخۏف يختلج أوصالها كغزو يجتاح ما يعترض طريقه بغتة بلعت ريقها وردت بوجه راحت الډماء تفر منه في الحال أيوه دي أنا فتح الدفتر الذي أتى به ودون بقلمه الحبر شيئا في أحد أوراقه ثم أمرها بلهجة جافة ولا تزال رسمية اتفضلي استلمي الإعلان ده ووقعي هنا نظرت إلى الورقة التي يبرزها أمام عينيها متسائلة بتحير قلق ودبيب قلبها آخذ في التصاعد إعلان إيه بنظرة سريعة لفحوى مضمون الورقة أجابها ودون أدنى تعاطف معها طلاق غيابي تلقت كلماته الموجزة كالصاعقة على رأسها فاتسعت عيناها في محجريهما واستطال وجهها في صدمة متضاعفة لتلطم بعدئذ على خديها بقسۏة وهي تصرخ في قهر عظيم يا نصيبتي محاولة التغلب على ما يؤرق مضطجعك ليس بالأمر الهين على الإطلاق فقد يجعل الحصول على قسط وافر من النوم أمرا مستبعدا ناهيك عن إرهاق العقل بالكثير والمزيد من الأفكار التحليلية المهلكة للأعصاب شعر مهاب بالصداع يفتك برأسه منذ لحظة استيقاظه قاومه قدر المستطاع لكنه تمكن منه فبحث عن دواء مسكن ليتمكن من التماسك طوال الساعة المتبقية من أول أيام ذلك المؤتمر الكئيب لكنه لم يجد لم ينكر أن سيلا من الذكريات المزعجة هاجمه وهو يستحضر كيف أمضى شبيه ذلك بصحبة تهاني متوقعا أنه يجرها إلى شباكه المحكمة لتعطيه نفحة من نعيمها الأنثوي واليوم تعمق بداخله ذاك الشعور المرفوض قطعيا بالهزيمة كاد يجن ويخرج عن طور الرزانة المعروف به في محفل الأطباء تماسك حتى الرمق الأخير وتلقى الجائزة التقديرية بملامح جليدية يخفي خلفها البركان الثائر في دواخله امتدت يده لمصافحة أحد كبار الأطباء والمسئول عن إقامة هذا المحفل ليخاطبه في امتنان أشكرك للغاية على هذا التكريم بادله الطبيب المصافحة وقال في إعجاب أنت مثال رائع للطبيب المثابر ضحك بتصنع وعلق وهو يربت بيده الأخرى على جانب ذراعه أنت تبالغ عزيزي استعاد الطبيب يده وأبدى تفاخره به مرددا تستحق دوما الأفضل أنهى معه الحوار بلباقة وانتقل للحديث مع آخر لعدة دقائق كان مهاب على وشك المغادرة تماما لولا أن استوقفه هذا الصوت الناعم الذي يعرفه جيدا فاتجه دون إعادة تفكير إلى صاحبته ليحييها بودية غريبة الجميلة ديبرا التفتت إليه الأخيرة لتنظر إليه بجبين مقطب ونظرات متشككة وضعت بشفتيها ابتسامة متكلفة قبل أن تقول برسمية تامة أهلا بك دكتور مهاب لم تمد يدها لمصافحته ولم تحاول حتى تقبيله بحرارة في وجنته كانت متباعدة كليا عنه فاستنكر جفائها وعاتبها بنظرة لعوب لما كل ذلك التحفظ معي أولته ظهرها تأهبت حواسه عندما أجابته بنبرة جافة يشوبها القليل من الاتهام لئلا أزعجك صديقتك ألم تقل لي ذلك أم أنك تريد إغضابها ثم استدارت مرة واحدة تجاهه لتجد عينيه معلقتين بها فابتسمت في تشف وسألته في خبث وقح كأنما تتعمد إحراجه بشكل يلمح بالإهانة بالمناسبة أين هي أم أنك أثبت عدم جدارتك معها غلت الډماء في عروقه حنقا منها ورغم هذا حافظ على ابتسامته المنمقة وهو يجيبها بهدوء مريب لقد انفصلت عنها رفعت حاجبها للأعلى وهتفت في ذهول لا أصدق كيف حدث ذلك اشتدت تعابير وجهه وأخبرها وهو يحاول جاهدا نفض كل ما يخص تهاني من ذكريات لا يهم كفانا حديثا عنها وهيا بنا لنا لقاء مميز تبسمت وسألته بعبثية ظاهرة في نظرتها إليه إلى أين مال على أذنها ليهمس لها بشيء من المكر سأعوضك عن تلك الليلة الكئيبة قوست فمها قائلة في تشوق أوه عزيزي أنا آ قاطعها بإصرار وهو يداعب جانبها بأصابع يده لن أقبل بالرفض وضعت يدها على كفه تتحسسه وقالت في ميوعة حسنا أنا طوعك سيدي شعرت ديبرا بقبضتي مهاب تمسكان بها من معصميها سألته بنبرة ثقيلة عزيزي ماذا تفعل أجابها بغموض مخيف سنمرح قليلا كما تعرفين خاطبها بلهجته العربية ووجهه يكاد يفح ڼارا مش أنا اللي واحدة تتريق عليا تعذر عليها استيعاب مقصده بهذه اللغة فرددت في تحير لا أفهم ما تقول كادت تفوه بشيء آخر لكن صوتها تحول لأنين مع هذه الصڤعة القوية التي تلقتها بغتة بشيء بدا وكأنه جلد قاسې الملمس

حاولت النظر إليه لترى ما في يده فوجدته قد استل حزامه ليؤنبها به تقوست بظهرها وتساءلت في لهاث مازح أستقوم بتأديب تلميذتك أعطاها أخرى أشد قوة فصړخت من الألم الحقيقي ليخبرها بعدها بنبرة أقرب للفحيح وهذه الابتسامة المتلونة تبرز في وجهه بالطبع سألقنك درسا لن تنسيه لم يترك مهاب جزءا اڼتقاما من سخريتها السابقة توقف عندما التهب جلدها وأصبح مكدوما ببقع لن تختفي آثارها إلا بمرور عدة أيام وباستخدام الملطفات الدوائية جلس مجاورا لها دون أن يحل قيدها فرفع وجهها إليه من طرف ذقنها تأمل اشتعال بشړة وجهها جراء كم الډماء الساخنة المتدفقة التي اجتمعت فيها توسلته لتركها وفك قيدها فما كان منه إلا أن مال عليها ليخبرها بهمس لم ننته بعد كمم فمها ليزيد من إذلالها وإھانتها بما ظن أنها الطريقة المناسبة للتعامل مع واحدة مثلها وحاز في النهاية على شعوره بالسيطرة المزعومة بطريقته الملتوية نهض من الفراش متجها لخارج غرفة النوم الملحقة بجناحه الفندقي سار إلى حيث ينتظره ممدوح بالردهة طالعه بهذه النظرة المتعالية وهو يضع يديه في جيبي بنطاله ليخبره بعجرفة وكأنه يمن عليه بفضلة خيره مابقتش تلزمني خدها فجاجة كلماته ونظراته المهينة لم تمنعه من إظهار هذه البسمة المتسعة على
 

23  24  25 

انت في الصفحة 24 من 84 صفحات