الأربعاء 27 نوفمبر 2024

رحلة الآثام بقلم منال سالم

رحلة الآثام بقلم منال سالم

انت في الصفحة 25 من 84 صفحات

موقع أيام نيوز


محياه كاتما في صدره إحساسه بالغل الحاقد تجاهه ببرود محكم قام واقفا وشمر عن كميه قائلا بترحيب شديد أنا جاهز ليها لم يتم جملته عن عمد إلى أن وقف في مواجهته فتابع عن نبرة موحية وهو يركز عليه بنظرة قوية نافذة أو لغيرها حتى لو طارت من القفص تركه ممدوح واقفا في مكانه واتجه إلى الغرفة ليهتف مهاب من بين شفتيه بصوت خفيض وأقرب للوعيد اللعبة لسه مخلصتش يتبع الفصل الحادي عشر الفصل الحادي عشر ورقة رسمية عقصت حول رأسها رباطة قماشية من اللون الأسود تماشت مع ما تلفحت به من عباءة منزلية مماثلة وكأنها لبست الحداد على رحيل أحدهم ظلت منزوية في غرفتها تبكي ليل نهار حتى جفت دموعها ولم يبق لها إلا تجرع الألم نظرت لها عقيلة بإشفاق وهي تقف عند عتبة الباب ومع ذلك لم تقو على مؤازرتها بالطيب من الكلام فقد كانت مثلها متحسرة على مصابها والأسوأ من ذلك شعورها بالخزي والعاړ لكون ابنتها لن تسلم من الألسن الشامتة أو الشائعات الحاقدة وإن كانت غير مذنبة على الإطلاق فما أسهل إلقاء التهم الباطلة على الغير دون تحري صدقها اتجهت إلى باب البيت عندما سمعت الدقات عليه زفرت الهواء الثقيل من رئتيها وهي تفتحه لتنظر إلى شقيقتها التي جاءت لزيارتها سألتها الأخيرة دون استهلال دوسة عاملة إيه أغلقت الباب بعدما ولجت للداخل وأجابتها بنبرة مهمومة للغاية زي ما هي استقرت أفكار على الأريكة وراحت تهز جسدها يمينا ويسارا وهي شبه تنوح كبدي عليها لا لحقت تفرح ولا تتهنى شاركتها عقيلة نفس الندب مرددة وهي ټضرب على فخذيها يا ريتنا ما كنا استعجلنا ولا كتبنا الكتاب ثم ركزت عينيها المنتفختين من كثرة البكاء على شقيقتها الكبرى وتابعت في صوت مټألم نابها إيه من الجوازة دي غير إنها بقت متطلقة لم تنبس أفكار بكلمة في حين واصلت الشقيقة الصغرى كلامها والذي اتخذ طابعا مهددا أنا مش هسكت حق بنتي مش هسيبه دون تفكير وافقتها الرأي وصاحت تؤيدها بشدة وأنا معاكي عاد التحير ليسيطر على قسمات وجه عقيلة وأفصحت عن ذلك بسؤالها بس هنعمل إيه بعد لحظات من الاستغراق في التفكير أجابتها بتصميم معاند احنا نطب على أخوه هو لازما يتصرف مش هنسيبه غير لما تاخد كل حقوقها هي مش سايبة ظل شاردا صامتا غير مكترث بالمشاركة في أي شيء يخص المؤتمر الذي من المفترض أن يكون أحد محاضريه الرئيسيين انعزل بنفسه عن نفسه وكأنه قد انفصل ذهنيا عن العالم المحيط به حتى أنه اختار المكوث بعيدا عن الصفوف الأمامية ليحظى بنوع من الخصوصية لعل وعسى يتمكن من فك الأحجية التي حيرته كثيرا وجعلته شبه فاقد للتركيز فيما يفعل كذلك ليلة الأمس الجامحة لم تمنحه ما طمح في الشعور به من الاكتفاء والرضا بل جعلته يزداد رغبة وتلهفا في الحصول على هذه الطريدة الهاربة بالتحديد والإيقاع بها مهما تكلف الأمر فأنى له أن يقبل بالخسارة هكذا ببساطة أطفأ مهاب عقب سيجارته في المنفضة قبل أن تنتهي واستل أخرى من علبته الفضية ليشعلها سحب دخانها ببطء ولفظه على مهل وعيناه توحيان بتفكيره العميق والمستمر حين انضم إليه ممدوح تجاهله تماما واقتضب في الحديث معه كأنه غير موجود المرة إلى أن أنار عقله فجأة بفكرة عجيبة كان قد غفل عنها آنئذ تحفز في جلسته بشكل يدعو للحيرة وراح يجمع متعلقاته الشخصية في تعجل وهو يردد لنفسه مندهشا إزاي كانت تايهة عني تطلع إليه ممدوح باستغراب فقبل لحظات كان يتصرف كالأصنام لا صوت له ولا حركة والآن النشاط ينضح من كل طرف فيه سلط بصره عليه وخاطبه في جدية طفيفة محاولا فهم ما يدور في رأسه حصل إيه إنت مش معايا من بدري ودلوقتي إيه اللي اتغير نظر له بطرف عينه بهذه النظرة المزهوة كأنه غير مهتم بأي شيء من الأساس وقال مؤكدا مش فارق تعجب أكثر من طريقته الغامضة وتضاعف لديه شعوره بالغرابة وهو يراه ينهض من موضع جلوسه استعدادا لذهابه لم يتركه لشأنه وسأله مستفهما بفضول رايح فين لوح له بذراعه يودعه هكلمك بعدين سلام زم شفتيه مبديا المزيد من الدهشة لانصرافه المريب سرعان ما تقوستا وتحولتا لابتسامة لعوبة وديبرا قد أتت لتستقر على مقعد شاغر ملاصق له سألته وهي تنفض شعرها المسترسل خلف ظهرها إلى أين هو ذاهب قائلا في صوت خفيض لكنه عابث وشقي لا تهتمي به أنا موجود لأجلك عزيزتي تأوهت پألم وهي تخبره بنظرة ماكرة أوه ما زال جسدي يؤلمني سأطيب جراحك أنا خبير بذلك حسنا قالت كلمتها هذه وهي تمنحه بنظرتها الجائعة الإذن لتكرار تلك التجربة المحفوفة بكل ما هو غير اعتيادي فور الانتهاء من فاعليات اليوم لهذا المؤتمر لينال كلاهما متعة برية لا حدود لها بعد نصف الساعة من التنقل بين الحافلات المزدحمة بعشرات البشر وصلت الشقيقتان إلى العنوان الذي يحوي مقر عمل عوض سارتا بعدئذ مسافة تقرب العشرة أمتار في طريق كممتد وكل واحدة منهما تمعن النظر فيما حولها كمحاولة لتبين معالم المكان ابتلعت عقيلة ريقها الجاف وجففت بكم عباءتها العرق المتصبب على جبينها ثم وجهت سؤالها لشقيقتها في صوت شبه منهك متأكدة إنه شغال هنا أجابتها أفكار وهي تومئ برأسها أيوه ولاد الحلال دلوني على الحتة دي هزت شقيقتها رأسها في تفهم فأضافت الأخيرة مجددا بجدية تامة وإصبعها موجه نحو أحد الأبنية هو شغال هناك في التو اتجهتا إليه وولجتا إلى الداخل لتسألا عنه لكنه لم يكن موجودا لذا انتظرت الاثنتان لما يقرب من الربع ساعة دون أن يصل بعد تحدثت عقيلة في ضجر وهي تشير بإصبعها نحو بقعة شاغرة خلينا أعدين بقى على الرصيف لحد ما نشوفه ردت أفكار وهي تطرد الهواء من رئتيها ماشي افترشت كلتاهما الأرضية بعد وضع قطعة من الكرتون وقامتا بمراقبة المارة بنظرات متربصة إلى أن لمحته أفكار قادما من على بعد صاحت مهللة وهي تستند على ذراع شقيقتها لتنهض أهوو جاي بعجلته من هناك عاونتها على القيام لتتبعها في النهوض وهي ترد في تلهف قلق الحقيه أوام صړخت أفكار عاليا لتلفت انتباهه يا عوض الصوت المنادي باسمه جعله يدير رأسه للجانب ليجد حماة شقيقه وشقيقتها تقفان بمحاذاة الرصيف أدار الدراجة في اتجاههما وتساءل بابتسامة مهذبة إزيك يا خالة عاملين آ قاطعته عقيلة قبل أن يتم جملته معنفة إياه بهجوم صريح هي دي الأصول اللي اتربيتوا عليها يا عوض طب حتى راعوا حق الجيرة حملق فيه متعجبا وتساءل في توجس متزايد حصل إيه أضافت أفكار هي الأخرى بنفس النبرة المتحاملة أيوه أيوه اعمل نفسك مش عارف أسند دراجته على عمود الإنارة ووقف منتصبا وهو يستطرد مخاطبا الاثنتين في قلق عظيم اهدوا بس عليا وخلوني أفهم في إيه رفعت عقيلة إصبعها للسماء وصاحت في حړقة حسبي الله ونعم الوكيل في الظالم استنكر اتهامها له وحافظ قدر المستطاع على هدوئه ليفهم في النهاية الأسباب الحقيقية وراء موقفهما المعادي له بواسطة بعض التوسلات والرجاوات الشديدة استطاع اللحاق بدور متقدم في إجراء مكالمة دولية عاجلة بالسنترال في التو تطرق عوض للموضوع مباشرة وراح يسرد على شقيقه عواقب ما اعتبرها فعلته الخسيسة في حق هذه الشابة المسكينة المغلوبة على أمرها أخذت الكلمات تخرج من فمه مندفعة وبقدر من الھجوم لتعنفه بغلظة هو ده اللي اتفقنا عليه أتى رده باردا وغير مراع النصيب بقى ياخويا استمر في عتابه الشديد له بقوله الحانق والمنفعل حرام عليك يا بدري الناس مابترحمش وهي ولية لواحدها علق عليه بنبرة ساخرة لو عجباك اتجوزها إنت زجره في حمئة وقد تلون وجهه بحمرة الڠضب عيب كده مايصحش لئلا يطل في التأنيب أخبره شقيقه الأصغر بوضوح من الآخر كده يا عوض فردوس دي مكانتش من تنفعني من الأول وحكايتها خلصت معايا ولما يبقى في حاجة مهمة كلمني مع السلامة لم ينتظر منه الرد وأنهى المكالمة ليظل عوض مرابطا في مكانه مستنكرا جفائه وقسوته أعاد وضع السماعة في مكانها وهو يهمهم پصدمة وتحسر لا حول ولا قوة إلا بالله طب أقول للچماعة إيه بطبيعة الحال استغل معارفه وصلاته القوية بذوي السلطة هنا في الوصول إلى كافة المعلومات التي تخصها دون بذل أي عناء في التحري والبحث عنها وكانت المفاجأة المدوية حينما علم أنها لم تتزوج مطلقا مثلما أشاعت رفيقتها في السكن وما قد قيل من قبل هي مجرد أكاذيب واهية لإزاحته عن الطريق لسبب غير مفهوم بالنسبة له انتشى على الأخير وصار أفضل حالا عن السابق فاللعبة ما تزال قائمة وهو الآن يسبق منافسه بخطوة عليه فقط الوصول إليها وجرها إلى شباكه بأي طريقة كانت حتى لو تطلب ذلك فعل ما لم يقم به مسبقا استدل مهاب على منطقة إقامتها بالإضافة إلى مكان دراستها وتدريبها إن تعذر عليه اللقاء بها عاتب نفسه لإضاعة الوقت هباء ومع ذلك اتجه سريعا إلى حيث تمكث وقد رتب أفكاره جيدا ليتمكن من حبك حججه المنطقية عليها دق الباب وانتظر بتحمس فاستقبلته نزيهة بوجه جامد ونظرات فضولية قبل تطرح عليها السؤال المعروف مسبقا إنت مين بدا هادئا للغاية رغم الثورة المنتفضة بداخله وهو يسألها دكتورة تهاني موجودة الإتيان على ذكر هذه السخيفة جعل مزاجها الرائق يتكدر فكتفت ساعديها أمام صدرها وردت باقتضاب وقد تحولت غالبية تقاسيم وجهها للعبوس الغريب لأ سألها في شيء من الاستفهام قدامها كتير عشان ترجع ردت بوقاحة عجيبة ونبرتها قد ارتفعت تقريبا أنا مش السكرتيرة بتاعتها عشان يبقى معايا خط سيرها حدجها بنظرة متعالية شملتها من رأسها لأخمص قدميها فاغتاظت من تحقيره لها دون أن ينبس بكلمة ليردد بعدها في ثقة واضحة مش محتاج أعرف منك حاجة أنا هوصلها لم ينتظر كعادته أي شيء لتضيفه انصرف مبتعدا عنها فاغتاظت من فظاظته وصفقت الباب في عڼف خفيف وهي تغمغم بوجه مقلوب التعابير ده مين ده كمان اللي شايف نفسه علينا لحسن حظه وقبل أن يغادر المبنى المقيمة به وجدها تصعد الدرج وهي منكسة لرأسها لذا لم تنتبه لوجوده فانتظر بالأعلى وعلى شفتيه هذه الابتسامة المبتهجة لتحقيقه النصر في شيء ظن أنه خسره ما إن رفعت تهاني عينيها إليه حتى تخشبت في مكانها مصډومة بشكل كامل رأته قبالتها يطالعها بهذه النظرة الدافئة المتلهفة تلك التي
 

24  25  26 

انت في الصفحة 25 من 84 صفحات